بقلم : عبد المنعم سعيد
الأصل في الموضوع أن العالم والإنسان والتكنولوجيا تتغير طوال الزمن. التاريخ ما هو إلا مجمع لعمليات التغيير لكي يصنفها المؤرخون مراحل وحقبا ولحظات فارقة، تعكس حالة من التغير العنيف في حروب وثورات وعصور سادتها أنماط للتواصل والافتراق وأدوات الإنتاج. عصرنا هذا ليس استثناء من المسيرة التي استغرقت عشرة آلاف عام منذ وعي الإنسان بإنسانيته. مثل ذلك ليس إلا قطرة من المسيرة الكونية التي بدأت مع الانفجار الكبير للكون. ما بعد ذلك يقوم الفيزيقيون بفحصه ولكنه على أية حال ليس موضوعنا حيث المفاجأة الكبرى قادمة من القوة المحركة لوقتنا الحالي وهي الفرد: دونالد ترامب.
المؤرخون وعلماء الاقتصاد السياسي منهم؛ والمتخصصون في تطور قوى الإنتاج اهتموا بعصور جمع الثمار عندما أدرك الإنسان أنه يستطيع الوقوف على قدمين؛ وعصر الزراعة، والعصر الصناعي الذي نعيش آخر مراحلة غير متأكدين ماذا سوف نسمي ما سيأتي بعده. من هنا تأتي المفاجأة لأن العادة سارت في اتجاه تأكيد حركة القوى الموضوعية التي نقلت الواقع من حالة إلي أخري؛ الأفراد جرى استبعادهم فربما كان هتلر هو آخر من قلب الأوضاع التاريخية رأسا على عقب منذ عصر نابليون بونابرت بعد الثورة الفرنسية؛ ومن بعد هزيمته تراجع الزعماء والقادة إلي مؤخرة الصورة الانقلابية تاركين الساحة لنتائج الحرب العالمية الثانية لكي تعيد تشكيل العالم عاما بعد آخر.
حاليا فإن كل المتغيرات المعتادة تسير في حالها؛ ومن الممكن للبشر أن يتساءلوا عمن سوف يكسب سباق الذكاء الاصطناعي، أو من يصل إلى المريخ أو شفاء ألزهايمر أولا؛ ولكن تغيير العالم وقلبه رأسا على عقب من حيث توازنات القوى الكبرى والتعامل بالتنظيم أو بالخلل مع الاقتصاد والسياسة العالمية فلا يوجد له عنوان إلا في البيت الأبيض، حيث اختار الشعب الأمريكي المتعلم المتقدم والحداثي المبتكر والمبدع الذي يتعايش مثل هؤلاء الذين عاشوا في سفينة نوح من المخلوقات؛ رئيسا يقلب العالم رأسا على عقب.