عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى

عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى!

عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى!

 العرب اليوم -

عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى

بقلم: عبد المنعم سعيد

تكملة لمقال الأحد فإنه من الصعب الآن حصر عدد المرات التى أكد فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى أهمية الوعى فى المسار الحالى للنهضة المصرية. المفهوم أيضا يتردد كثيرا فى منتديات النقاش العام لوصف فجوة ما بين واقع الأداء الجارى فى البلاد وما يمكن أن نصل إليه بصورة أكبر وأسرع إذا ما كان الوعى متوافرا. غياب الوعى هكذا يشكل حاجزا كبيرا بين ما هو حادث، وما يمكن حدوثه إذا ما توافر الإدراك الصحيح لما يجب على الإنسان أن يفعله تجاه الكثير من الشؤون العامة، وفى مقدمتها الأمور المتعلقة بعمليات التنمية والصحة العامة وأهمية التعليم ومراعاة القانون والقيام بالواجب الوطنى وهكذا أمور. والحقيقة هنا هى أننا عندما نتحدث عن الوعى فإننا نتحدث عن «غياب الوعى» أو نقصانه أو ما اعتراه من زيف أو تشويه. والوعى هكذا مفهوم مماثل لمفهوم الأمن (الإنسانى أو الوطنى أو الإقليمى أو الدولى) الذى عندما نتحدث عنه فإن مجمل ما يقال سوف يدور حول حالة غياب الأمن أو انعدامه أو نقصانه، وتكون المهمة هى استكمال كل ذلك. وحالة الوعى أصعب وأكثر تعقيدا لأنها تأتى من ذهن الإنسان وعملية استيعابه وفهمه للواقع وإدراكه للحقيقة فى مجملها وما يترتب عليها من نتائج سلبية إذا لم يقم بفعل ما.

فى الحالة المصرية، فإن ما يقف بين الإنسان المصرى والوعى اللازم لهذه المرحلة من تاريخه هو أن الخريطة الذهنية له فيها من العوار ما يحتاج معالجات من المجتمع ومفكريه والدولة وأدواتها لتصحيح الخريطة. وربما تكون أولى النقاط فيها هى عما إذا كان موضوعا للقضاء والقدر، أو أنه مدرك للأسباب التى تشكل الواقع الذى يتعامل معه. إنها المفارقة هنا بين التسليم بالنتيجة دون مساءلة عما كان وراءها، والاختيار المستند إلى الأخذ بالأسباب العلمية وقوانين الطبيعة. فى الثقافة المصرية العامة فإن الأولى ذائعة بشدة، وهى التى تقود منطقيا إلى الزيادة السكانية لأن فيها تسليما بما سوف يأتى من خَلَف وما هو متوقع من أرزاق. وهى التى تؤدى إلى دخول الكثيرين إلى كليات جامعية، أو مجالات عمل، أو حتى الزواج، وكلها على سبيل «القسمة والنصيب» دونما بحث عن الأسباب فى جميع الحالات، وعما إذا كانت قدرات الشخص متوافرة بالقدر الذى تسمح له بالسير فى هذا الطريق أو ذاك.

ما حدث لدينا فى الخريطة الذهنية أن ما جعله الدين تسليما يأتى فى آخر ما يتخذه الإنسان من أسباب ويقوم به من عمل وما يتوفر له من اجتهاد، فيكون فى الواقع هو الأول فى الترتيب، ويصبح الأمر الواقع أو حتى الصدفة، أو ما حصل عليه الإنسان من شفاعات أولياء الله هى التى تقرر المصير فى الشهادات والصفقات والأولاد. عكس هذا الاتجاه الاستسلامى يأتى من خلال العلم والمعلومات والمعارف والمقارنة مع تجارب الآخرين.

وللأسف، فإن الخريطة الذهنية المصرية فيها الكثير ليس فقط الذى يجعل الوعى منكشفا للشائعة وترديدها، وإنما أكثر من ذلك توجد فيها مفاتيح لتشويه الوعى باللحظة الحاضرة منها الماضوية الشديدة التى تجعله يعتقد أن ما ذهب هو أفضل دائما مما هو مقبل. ومنها أيضا الفهلوة المجتمعية التى هى مظهر من مظاهر الوعى الردىء الذى يستسهل الحلول، ويجنح إلى الفائدة الفورية بدلا من انتظار مستقبل مزدهر. الاتكالية والقدرية فيها الكثير من الاستسهال الذى يؤدى إلى أعباء كثيرة، ولا يمكن تفسير الزيادة السكانية فى مصر دون الأخذ فى الاعتبار الاعتقاد بأن الطفل الجديد يأتى ومعه رزقه، وأن مجيئه قدر لا مفر منه. الواقع هنا يؤدى بالوعى مباشرة إلى الاعتمادية المفرطة على الآخرين حيث توجد الدولة، أو حتى الاعتماد على دول أخرى لحل المشكلات الوطنية. وفى كل الحالات تسقط المسئولية الوطنية ليس فقط فى الدفاع عن الوطن، وإنما أيضا الأخذ بالوطن المصرى وله تاريخ عريق إلى المكانة التى يستحقها بين دول العالم.

كما أن الخريطة الذهنية المصرية فيها الكثير من الندوب والجروح والتحيزات المتعلقة بكل ما يتعلق بالآخر. الأنباء المتكررة عن التنمر ضد النساء أو الأطفال أو الأجانب أو أصحاب الأديان أو العقائد الأخرى، يجرى عليها كثيرا من الإنكار، وربما الإغراق بالكثير من أشكال التسامح. وهى يمكن فهمها على ضوء تاريخ طويل يصل إلى ثلاثة آلاف عام من الغزو الأجنبى وتغيير الملل والنحل حسبما جاء من غزاة. ولكن استمرارها دونما صدق ومصارحة يخلق حواجز ذهنية كثيرة أمام عمليات التعبئة والحشد الضرورية للبناء الوطنى والمنافسة فى السباق العالمى. رفع هذه الحواجز من داخل الخريطة الذهنية يأتى من تغيرات الروافد التى أنشأتها وباتت تغذيها بوسائل شتى. بعض من ذلك يأتى من تغيير البيئة المادية وهى جارية، وبعضه الآخر من روافد الخريطة الذهنية فى التعليم والثقافة والإعلام والأسرة أيضا. المهمة شاقة ولا شك، ولكن بناء الدولة وتنميتها كانت هى الأخرى شاقة وكان فيها الكثير من العرق والجهد والآن الزمن الذى يقوم فيه الإعلام بما يجب أن يقوم به.

 

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى عن الوعى والمحتوى وأمور أخرى



إليسا تخطف الأنظار بإطلالات تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 07:26 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نادين الراسي ترقص بعفوية في دبي وتكشف سر الـ Six pack
 العرب اليوم - نادين الراسي ترقص بعفوية في دبي وتكشف سر الـ Six pack

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 07:26 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نادين الراسي ترقص بعفوية في دبي وتكشف سر الـ Six pack

GMT 21:52 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

طقوس صباحية بسيطة لدعم صحة الكبد تشمل احتساء القهوة

GMT 15:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأرجنتين: تصويت مصيري وتدخل أميركي

GMT 15:49 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 20:28 2025 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي تعلن رسميًا زواجها بعد جدل الوثيقة المسربة

GMT 07:03 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سريلانكا بين الجبال والبحار تجربة سياحية لا تُنسى

GMT 15:25 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الدولة الفلسطينية وعبث الدولة الإسرائيلية

GMT 15:13 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من مهابة القمة إلى مهاوي السفح

GMT 15:18 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

انتخابات فرعية تغيّر المشهد السياسي البريطاني

GMT 20:40 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

فريق مصري يدخل غزة للمساعدة في انتشال جثث الرهائن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab