بقلم : عبد المنعم سعيد
بناء على دعوة كريمة من مركز الإمارات للسياسات، وعلى مدى 48 ساعة حضرت «ملتقى أبوظبى الاستراتيجى الثانى عشر»؛ وكما هى العادة فإن الملتقى وفر نخبة عالية المعرفة بالحديث أولا عن دولة الإمارات والمرحلة التى تعيش فيها؛ وثانيا البحث عن التغيرات الجارية فى النظام العالمى وهذه تغطى الولايات المتحدة فى الصدارة ومن بعدها الصين وروسيا وبعد ذلك قضايا البيئة والمناخ؛ وثالثا عن النظام الإقليمى الشرق أوسطى وما فيه من متغيرات. استقبال أبوظبى ساعة الخروج من المطار ينبئ بعاصمة راقية تذكر بالمدن السويسرية وتطرح فورًا المقارنة مع دبى حيث الصخب يفرض نفسه على العمارة والبشر.
ما يشغل الإمارات ليس فقط ما يتعلق بأزمات المنطقة ومرحلة ما بعد الميليشيات التى تمر بها، وإنما قضية التفوق والريادة فى السباق الجارى بين الدول المتقدمة حول الاهتمام بالذكاء الصناعى وتطبيقاته المثيرة. الطريق يمر بعدد من الشراكات الدولية القائمة على الحوار والتعايش والتعاون بحيث تكون الدولة نقطة مركزية، تجذب المواهب ولا تفرط فيما لديها منها، مع مراعاة الزمن السيبرانى والحوكمة وبناء التكنولوجيا والثقافة السيبرانية.
مختصر الكلام فى هذا الشأن هو العلاقة مع الولايات المتحدة الأعلى شأنا فى الأمر والتى دفعت بشركة مايكروسوفت للاستثمار فى هذه التكنولوجيا بما مقداره 15 مليار دولار.
كثافة الحديث عن الذكاء الاصطناعى وتفريعاتها المختلفة نحو قواعد البيانات التى ينهل منها لكى تفرز نتائج متنوعة تخص عناصر القوة فى جميع الجبهات الجيوسياسية وتخلق القلق من الانكشاف الذى يتعرض له الأقل قوة ومنعة خاصة عندما تهيمن «السفارات الرقمية» واستخدامات التكنولوجيا الحوسبية َQuantum.
المسألة ببساطة أن ساحة جديدة قد فتحت لإعادة ترتيب الأوضاع العالمية فى عصر قيادة أمريكية فى المجال السيبرانى، وكما هى العادة فإن الصين تحاول اللقاء بها وتفرض تساؤلات حادة من الجانب الأمريكى حول كيف يمكن لدولة «غير ديمقراطية» وغير «ليبرالية» أن تصل إلى هذا الحد من التطور والتقدم والغنى الاقتصادى والتكنولوجى. السؤال ظل معلقًا ما بين المتحاورين فى الملتقى لأنه قام على أرضية نظم سياسية عقدت العزم على أنها «نهاية التاريخ»، بينما الواقع هو أن التساؤل يكون هل يمكن لنماذج أخرى من التنمية أن تخلق طبقة وسطى واسعة وهى المنوط بها الإبداع والتقدم الاقتصادى والتكنولوجى.
والحقيقة هى أن التجربة الصينية والآسيوية فى عمومها مركزية مثل الصين وديمقراطية مثل الهند فى نقل مئات الملايين من البشر من الفقر إلى الطبقة الوسطى التى تعطى النجاح الذى نشاهده. وفى المؤتمر عندما طرحت هذه الزاوية كانت الدهشة كبيرة، لأن ذلك يصحح المنظور الذى يمكن استخدامه تجريبيًا لرسم خطط التقدم فى العالم. نمو «الطبقة الوسطى» واتساع آفاقها وانفتاحها على العالم يخلق هدفًا استراتيجيًا للتعامل مع التغيير والتقدم والتنافس فى عالم لا يكف عن الدفع إلى صفوف متقدمة من يشعل الكتلة الرئيسية من سكانه علما ومعرفة وقدرة.