بقلم : عبد المنعم سعيد
مع بدايات الاشتباك العسكرى الهندى الباكستانى، فإن العالم أصبح على شفا انفجار كبير؛ ولأول مرة، فإن قوتين نوويتين تدخلان أعتاب حرب، مثل كل الحروب، لها مخزونها التاريخى، وسباقها الحالى، وتطلعاتها المستقبلية. وفى عام 1997 حدثت الأزمة المالية الآسيوية التى انهارت فيها اقتصاديات دول آسيوية مرموقة، وأذنت بأن يلحق بها الاقتصاد العالمى. وفى شهر مايو من العام التالى 1998، أجرت الهند أول اختباراتها للسلاح النووي؛ ولم يمضِ أسبوع حتى كانت باكستان تلحق بها؛ ومعهما استقر الردع النووى فى قلب القارة الآسيوية. ولم تمض أسابيع أخرى حتى شكّل الأستاذ إبراهيم نافع رحمه الله، رئيس تحرير الأهرام، بعثة صحفية لكى نتحرى ما يحدث مما بات منذرًا فى قلب العالم. الرحلة استغرقت ثلاث أسابيع جرى فيها زيارة باكستان والهند وسنغافورة وإندونيسيا والصين. كانت الحالة السياسية حارة بين إسلام آباد ونيودلهى، تفصح عن جرح قديم بدأ بتقسيم الهند بين الهندوس والمسلمين، ولم ينتهِ بعدها؛ لأنه، كما جرى فى كل حالات التقسيم بعد الحرب العالمية الثانية (كوريا وفيتنام والهند وفلسطين)، فإن الجرح لا يقبل الاندمال، لأن فيه قضايا لم تُحسم؛ وفى الحالة الهندية الباكستانية، كانت «كشمير» هى القضية المعلقة التى أدت إلى حربين فى السابق؛ والآن فإن الطبول تدق لحربٍ ثالثة. مرور الزمن دون حرب أحيانًا لم يكن يعنى اندمال الجرح، إنما أنه باقٍ لخلق حالة مزمنة من الكراهية، والأخطر استغلال قوى راديكالية إرهابية للموقف؛ وفى الأغلب، هذه كانت تقوم بعمليات ضد الهند، ويذهب الإصبع الهندى فى اتجاه باكستان، التى مهما أعلنت استنكارها وإنكارها، فإنه لا يكون مقبولًا.
استغلالُ القوى الإرهابية ومنتجاتِها من الميليشيات المختلفة للجروح العميقة أشعلت على مدى العقود القليلة الماضية الحروب فى منطقة الشرق الأوسط، على حافتى تقسيم فلسطين؛ ومؤخرًا، فإن الحريق الكبير فى ميناء رجائى الإيرانى ليس بعيدًا عن شق الهدوء فى العلاقات الإيرانية العربية. ولكنه فى الصومال يبعث النار فى الدولة المقسمة من خلال تنظيم الشباب، بينما يشتدُّ التوترُ بين إثيوبيا وإريتريا، فى الوقت الذى تتصاعد فيه الحرب الأهلية السودانية. المجزرة فى غزة منتشرة فى مسارح عديدة، وفى كافة المواقع، فإن السؤال الحار هو: لماذا الآن كل هذه الانفجارات؟ الإجابات سوف تتراوح: أن أصول النزاعات التى لا تُحل تبقى فيها جذوة الحرب مشتعلة؛ وأن الضوابط العالمية ليست فاعلة، فلا النظامُ الدولى بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ بمؤسساتهِ ومواثيقهِ له تأثيرٌ، ولا وجود نظام ثنائى القطبية (الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة) من قبل نجح، ولا عولمة القطب الواحد الأمريكى عرفت كيف تقتلع النزاعات من جذورها. وفى الوقت الحالى، فإن رأس العولمة يقدم حالة ضعيفة من القدرة على صنع القرار، متخبطًا بين حكم العالم بالجمارك تارة، والتهديد بجهنم تارةً أخرى، وفى النهاية يأخذ العالم الخطوة بعد الخطوة نحو انفجار لا
يوقفه أحد.