بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
رغم أن البدايات الأولى أو الجنينية لفكرة العقد الاجتماعى تعود إلى القرن 15, فالنظريات الأكثر أهمية بشأنها وُضعت خلال قلاقل واضطرابات وحروب القرنين 17 و18 فى أوروبا. وربما يكون إنياسو سلفيوس أول من طرح هذه الفكرة فى القرن 15 فى كتابه «مصادر السلطة الرومانية وضماناتها». فقد رأى أن الأفراد فى بداية الحياة على الأرض كانوا يعيشون على طبيعتهم، ولكن احتدام الصراعات بينهم اضطرهم إلى إنشاء مجتمعات لتنظيم العلاقات بينهم فى إطار عقد اجتماعى تصور أنهم أبرموه لهذا الغرض، وتنازلوا فيه عن حريتهم الطبيعية، أو جزء منها، فى مقابل توفير الأمن. ولكن فكرة العقد الاجتماعى لم تنل اهتمامًا بها فى حد ذاتها إلا فى القرن 17 عندما تناولها المفكر الإنجليزى توماس هوبز الذى رأى أن ثمة ضرورة لا مفر منها لدولة قوية تحكم الناس حتى إذا توحشت عليهم، وصارت مثل عملاق أسطورى يشبه التنين سمَّاه ليفياثان Leviathan فى كتابه الصادر عام 1651. انطلق هوبز من الفكرة التى بُدئ فى تداولها قبله، وهى أن الإنسان عاش حياة الطبيعة الأولى التى تحولت إلى صراعات لانهائية أطلق عليها «حرب الكل ضد الكل»، الأمر الذى فرض فى تصوره السعى إلى تحقيق السلام عبر تنازل كل فرد عن حريته كلها، وليس عن جزء منها فقط، لسلطة تنظم العلاقات فى إطار عقد قام على خوف الناس بعضهم من بعض واستهدف وضع حد لهذا الخوف. ونتج عن ذلك العقد المُتخيل وجود سلطة يعلوها حاكم يتمتع بسلطان كامل على الأفراد. لم يحدد هوبز بالتفصيل الكيفية التى تخلى بها الإنسان عن حريته الأولى، بل ركز على أن تنازله عنها لم يكن خيارًا لعدم وجود بدائل لتحقيق السلام وإنقاذ الضعفاء من بطش الأقوياء، ويعنى هذا أن جوهر العقد الاجتماعى عند توماس هوبز هو الطاعة فى مقابل الحماية مضافًا إليها العدل الذى تصور أن من تخلوا عن حريتهم وُعدوا به فى إطار هذا العقد الذى كثرت الاجتهادات بشأنه بعد ذلك.