بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كان المدخل الأساسى فى عملية التكامل الاجتماعى أو الوطنى، ومازال، هو الأسلوب الذى يتصرف به الفرد تجاه غيره المختلف عنه فى الدين أو العقيدة أو الأصل أو اللغة أو العائلة أو العشيرة، وكذلك فى الاتجاه السياسى والفكرى. ويتوقف أسلوب التصرف هذا على الاتجاهات التى يحملها الفرد تجاه كثير من الأمور فى بلده.
وتقترن هذه الاتجاهات بمجموعة الرموز الثقافية والاجتماعية التى تشكل نظام القيم أو المعتقدات. يلعب هذا النظام دورًا محوريًا فى دعم عملية التكامل أو إعاقتها، وهو ما تعنى به الآن الدراسات المتعلقة بمفهوم الثقافة السياسية. وليس هذا مفهومًا خاصًا بالسياسة وحدها، أو متعلقًا باتجاهات الأفراد تجاه قضايا سياسية فقط. فقد طُور من خلال الاعتماد على إسهامات فى علوم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا، وعبر الاستفادة من التقدم الذى حدث فى أدوات البحث الاجتماعى والاقتصادى.
ويُقصد بالثقافة السياسية هنا القيم والمعتقدات التى يحملها الفرد على كل صعيد، وأنماطه السلوكية، وطريقة تفكيره وتصرفه إزاء القضايا المختلفة، وكيفية إدارة علاقاته مع الأفراد الآخرين. إنها، باختصار، مجموعة الاتجاهات تجاه المجتمع بمعناه الأوسع سواء فى إطاره العام أو فى جماعاته الفرعية.
وتتوقف عملية التكامل الاجتماعى أو الوطنى, والحال هكذا, على طبيعة البيئة التى يوجد فيها الفرد، وكيفية تأثيرها عليه. فهل يتأثر أكثر بالبيئة الضيقة المغلقة المحيطة به بشكل مباشر فى مجتمعه الصغير أم بالبيئة الأوسع والأشمل فى المجتمع العام. ويتعين النظر فى هذا السياق إلى المؤسسات السياسية التى تتجسد فيها العلاقة بين الفرد وبيئته، ومعرفة كيفية تكوين هذه المؤسسات ومدى مشاركة الأفراد المواطنين فيها، وهل تقوم على مشاركة واسعة أم ضيقة, أم أنها تحول دون هذه المشاركة, أو تنظمها بطرق تُفقدها فاعليتها وجدواها. فالإقبال على المشاركة السياسية يرتبط بمستوى الحرية المتاحة فى المجال العام.
وكلما ارتفع هذا المستوى ازداد الوعى بالمواطنة، أو وعى الإنسان بأنه مواطن فى بلده له حقوق وعليه واجبات. فتحقيق المواطنة شرط ضرورى، وربما يكون الأكثر ضرورة فى عملية التكامل الاجتماعى أو الوطنى.