بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
أن يكون للمرء وجهان فهذا أمر شائع على نطاق واسع فى حياة البشر على مر العصور. المعتاد أن يكون هناك وجه حقيقى وثان مصنوع أو مزيف. وكثيرًا ما يكون الوجه المصنوع قناعًا يغطى الوجه الحقيقى ويحجب فظاعته أو بشاعته حين يكون كذلك. وينطبق هذا على كثير من الدول حين تجيد حكوماتها صنع وجوه مزيفة تغطى بها سياساتها. ويحدث هذا فى كثير من الدول الأوروبية بخصوص حرب الإبادة الشاملة فى قطاع غزة، وبشأن السياسات الإسرائيلية بوجه عام. ومن أبرز هذه الدول فرنسا التى تزعمت قبل أسابيع حملة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو توجه مهم ومُقدر يوحى بأنها تنحاز إلى الحق والعدل وتلتزم بالقانون الدولى الذى يعطى الشعب الفلسطينى الحق فى تقرير المصير. لكن هذا الوجه الخارجى للسياسة الفرنسية يتعارض مع وجه داخلى يظهر فى تقييد الانتقادات التى يتعرض لها الكيان الإسرائيلى من هيئات سياسية وثقافية وأكاديمية. فقد قيدت الحكومات الفرنسية التى توالت منذ أكتوبر 2023 حرية التعبير بدعوى مكافحة نزعة معاداة السامية. وتعرضت الحريات الأكاديمية فى الجامعات الحكومية الفرنسية لضغوط شتى آخرها حتى الآن محاولة منع عقد مؤتمر «فلسطين وأوروبا .. إرث الماضى وديناميات الحاضر» فى «كوليج دى فرانس». فقد أصرت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى على منعه حتى عندما قدم منظَّموه تنازلات وقبلوا أن يكون مغلقًا، وأثبتوا أنه محض أكاديمى وغير مسيس، وأن المتحدثين فيه مُختارون على أسس علمية وليست سياسية وأنهم متخصصون فى مجالاتهم كما هو واضح فى سيرهم الذاتية. واضطر منظمو المؤتمر إلى نقله لفرع مركز الأبحاث ودراسة السياسات فى باريس. والحال أن انتهاك الحريات الأكاديمية مستمر فى فرنسا منذ 10 أكتوبر 2023 عندما طلبت وزارة التعليم العالى من إدارات الجامعات الحكومية التبليغ عن أى طالب أو أستاذ أو إدارى يُشتبه فى أنه يؤيد حركة «حماس». ولم تتغير هذه السياسة مع إعلان الحكومة الفرنسية الاعتراف بدولة فلسطين. فما هذا الاعتراف، الذى يخلو من أى إجراء فعلى، إلا تعبير عن الوجه المصنوع الذى يغطى سياسات تعبر عن الوجه الحقيقى.