بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مثقف فعلاً وليس مُدعيًا. وخطبه التى تنطوى على أفكار واستشهادات بمفكرين وفلاسفة هى من تأليفه وليس من إعداد كُتاَّب متخصصين فى صياغة خطب الزعماء. فقد تتلمذ على يد بول ريكور الذى يُعد أحد آخر فلاسفة فرنسا الكبار بغض النظر عن الأثر الذى تركته العلاقة بينهما فى سياساته منذ أن تولى الرئاسة عام 2017. وهو ليس أول رئيس فرنسى تعلم جيدًا واهتم بالمعرفة والثقافة، إذ سبقه فى هذا المجال الرئيسان الراحلان ديجول وميتران اللذان اقتربا من أدباء كبار خلال وجودهما فى مقر الإليزيه. لكن المعرفة التى تلقاها ماكرون فلسفية أكثر منها أدبية. فقد تتلمذ أيضًا على يدى المفكر إيثان باليبار أحد تلاميذ المفكر الماركسى المُجدّد لويس ألتوسير, ولكنه تأثر بأفكار ريكور أكثر من غيره. هذا ما يراه د. حمدى هلال أستاذ الأدب الفرنسى فى تعليقه على ما ورد عن ماكرون فى اجتهاد 7 سبتمبر «السياسيون والثقافة». ود. هلال محق فى تعليقه هذا. فقد عرف ماكرون طريقه إلى ريكور عن طريق المؤرخ فرانسوا دوس.
قدَّم دوس ماكرون إلى ريكور عندما كان فى حاجة إلى مساعد يعاونه فى المرحلة الأخيرة من عمله على كتابه «الذاكرة والتاريخ والنسيان». وواضح أن ماكرون أنجز المهمة بنجاح، الأمر الذى دفع ريكور إلى توجيه الشكر له فى تقديمه هذا الكتاب. وتطورت العلاقة بينهما بعد ذلك. ولكن السؤال المهم هنا هو: هل استفاد ماكرون مما تعلمه من مُعلمه ريكور، وإلى أى مدى أثر ما تعلمه فى سياساته منذ أن تولى الرئاسة، وهل بقى وفيًا لإرث مُعلمه؟ الجواب واضح. لم تؤثر معارف ماكرون التى تعلمها من ريكور فى سياساته. وهذا معلوم من الواقع الفرنسى فى السنوات الثمانى الأخيرة. وهو أيضًا ما كتبه فرانسوا دوس فى كتابه الذى نُشر عام 2022 «ماكرون أو الأوهام المفقودة: دموع بول ريكور». يجزم دوس فى هذا الكتاب بأن ماكرون أدار ظهره لأفكار ريكور وفلسفته التى تهدف إلى حياة أفضل فى ظل مؤسسات عادلة وسياسات مُنصفة.