بقلم : عمرو الشوبكي
أعلنت إسرائيل أمس الأول وقف إطلاق النار وبدأت شاحنات المساعدات الإنسانية فى دخول قطاع غزة بعد أشهر طويلة من الحصار والتجويع، ولايزال الخلاف بين حماس وإسرائيل حول أسماء من سيفرج عنهم من القادة الفلسطينيين الكبار المعتقلين فى السجون الإسرائيلية (مروان البرغوثى وأحمد سعدات) حيث تتمسك الأولى بالإفراج عنهم، ومازالت الثانية تتملص وترفض.
لقد أصابت حرب غزة الشعب الفلسطينى بمآس كثيرة وخاصة فى غزة، ولكنها أثرت على دول المنطقة والعالم، صحيح أن الأرواح التى سقطت كانت أساسا من قطاع غزة ولكن سقط أيضا فلسطينيون من الضفة الغربية ولبنانيون ويمنيون وسوريون ضحايا لعمليات إسرائيلية مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بحرب غزة والسياسات العدوانية الإسرائيلية.
أما باقى دول العالم فقد تغير موقفها من القضية الفلسطينية وانتقل من حديث عابر لإبراء الذمة عن حقوق الشعب الفلسطينى إلى مظاهرات شعبية عارمة رفضت الجرائم الإسرائيلية وطالبت بمحاسبة قادتها، وتراجعت سردية المظلومية الإسرائيلية بشكل كبير أمام المشاهد المروعة التى خرجت من قطاع غزة.
أما مصر فقد استمرت فى جهود الوساطة منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب واعتبرت القضية الفلسطينية قضية أمن قومى تخص ليس فقط بلدا شقيقا إنما أيضا بلد لديه حدود مشتركة معه، ولم تتوقف جهودها من أجل وقف إطلاق النار، حتى ساهمت فى إقناع حركة حماس بضرورة قبول خطة ترامب وشاركها فى ذلك كل من قطر وتركيا الذين نجحوا فى النهاية فى إقناع الحركة بأن «لا بديل» فى الوقت الحالى إلا قبول خطة ترامب.
فكما فتحت حرب غزة الباب أمام مهارات فرق التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فإن «ما بعد حرب غزة» سيفتح الباب أمام مهارات الفرق القانونية والسياسية والحملات الدولية من أجل الضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها والانسحاب الكامل من قطاع غزة ثم الدخول فى مسار سياسى يؤدى إلى إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية.
لا يجب على عالم «ما بعد حرب غزة» أن يتوقف عن دعم القضية الفلسطينية فى كل المجالات السياسية والثقافية والرياضية، وأن يستمر العمل من أجل وضع إسرائيل فى خانة الدولة المنبوذة، حتى لو توقفت الحرب ومعها جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، ولكن الاحتلال لم ينته والاستيطان لم يتوقف وجرائم المستوطنين مستمرة، هو ما يحتاج استمرار الضغط على إسرائيل.
ربما تكون المرحلة الثانية من خطة ترامب أكثر خطورة وحساسية لأنها تطلب إنهاء الانقسام الفلسطينى وتطوير الأداء العربى والاستفادة من التحركات الشعبية الدولية من أجل إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية.
لا يجب أن تكون مشاهد الدم والدمار هى التى تحرك ضمير العالم إنما استمرار الظلم والاحتلال يتطلب أيضا عقل وعدالة وقانون وليس فقط ضمير.