بقلم: مصطفي الفقي
لا أخفى احترامى الشديد له وشغفى الكبير بأشعاره وحفاوتى الدائمة بمقالاته وكتاباته، إنه فاروق جويدة أحد رفاق هذا الجيل الذى أنتمى إليه مع أحمد زويل وغيرنا ويحمل رايته فاروق ككاتب رفيع الشأن له رؤية مفكر ولغة شاعر، أسهم إسهامًا مشهودًا فى حياتنا الثقافية، بدأ طريقه إلى الشهرة فى سنٍ مبكرة وذاعت أشعاره وتـألقت مقالاته وتفجرت مواهبة مرتبطًا بصحيفة الأهرام التى انتمى إليها وشارك فى تشييد صرحها المتجدد وكان جليسًا لكوكبة من مفكرينا ورفيقًا لنجوم الدور السادس فى تلك المؤسسة الصحفية العريقة.
إننى أكتب اليوم عن فاروق جويدة لأنطق بكلماتٍ محبوسة فى أعماقى لسنوات طويلة تنطوى على التقدير والاحترام لتاريخه والإعجاب بشاعريته وانتصاره الدائم لقضايا حرية الرأى والجرأة فى الدفاع عن المستضعفين والمظلومين فى تاريخنا الأدبى والسياسى.
ولازلت أتذكر جلستنا بصحبة أحمد زويل فى مقهى الفيشاوى بحى الحسين نتناول قضايا الوطن وهموم البشر فى جدية وموضوعية وانفتاح على كافة التيارات الفكرية والاتجاهات العصرية، إننى أكتب عنه اليوم حيث أفزعنى خبر صحفى فى أحد المقالات يشير إلى رغبة فاروق جويدة فى الاعتزال والانصراف عن حياتنا اليومية بعدما تراكمت الآلام وتدهورت الأوضاع وتعاقبت الأحداث فأصبحت المعاناة رفيقًا دائمًا لكل من ينتمى إلى هذه الأمة ويحمل آلام الوطن وينتسب إلى الكوكب الذى نعيش فيه. ولقد خاض فاروق جويدة معارك باسلة بشرفٍ وشفافية جعلته كاللؤلؤة المتألقة وسط ركامٍ من الأحجار المتناثرة.
لقد ربطتنى به صلات كثيرة لعل أقدمها انتماؤنا معًا إلى محافظة البحيرة التى خرج منها توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأحمد زويل وغيرهم من سلسلة العقد الفريد، ولقد تميز مفكرنا المتألق وشاعرنا الرصين بقدر كبير من شجاعة الرأى وجرأة الموقف والشعور العام بأبناء وطنه وشركاء عصره، وهو يصك التعبيرات وينحت العبارات بلغته الفريدة التى تضعه دائمًا فى الصف الأول، ويكتب عن رفاق رحلته الإنسانية وهم يتساقطون بحكم قوانين الحياة ودورة الأعمار، والغريب والعجيب أن شخصًا بحجم فاروق جويدة وقامته العالية لم ينل جائزة النيل حتى الآن لأنه عازف عنها متفرغ لما يؤمن به وما يعتقد فيه، وقد واجه فى سبيل ذلك الكثير من العنت والاستهداف، ولكنه ظل قابضًا على كبرياء الشاعر فيه وكرامة المفكر لديه.
ولقد شهد له معاصروه ولاحقوه بالقيمة الكبيرة والمكانة الرفيعة فى عالم الأدب وهو الذى أثرى المسرح المصرى الشعرى والتاريخى بأعمالٍ خالدة سوف تبقى فى رصيده دائمًا. لقد ضرب فاروق جويدة فى كل من الثقافة والفكر والأدب والشعر بسهم كبير تبقى أصداؤه رنينًا يتكرر مع تعاقب الأجيال، إنه فاروق جويدة الشاعر الذى كتب نشيد الجيش المصرى وهو يرسم على وجه الوطن أروع البطولات وأعظم الانتصارات، ولا زال يطالعنا بعموده اليومى الحافل بالأفكار الزاخر بالتأملات والمعبر بصدق عن هموم الوطن والمواطنين. وتمتد مكانة ذلك الشاعر الكبير إلى كافة الأقطار العربية فيحظى لديها باهتمام كبير وعناية ملحوظة وقد استقبله الحكام والأمراء بالحفاوة والتقدير كما لقى ترحيبًا شعبيًا فى كل المناسبات التى شارك فيها، إنه شاعر الأهرام، وابن النيل.. إنه أيقونة مصرية.