ولاءات متعددة

ولاءات متعددة

ولاءات متعددة

 العرب اليوم -

ولاءات متعددة

عمار علي حسن

يجد بعض الناس أنفسهم مخيرين بين ثلاث جهات أساسية يمنحونها ولاءاتهم الأساسية، الأولى الدولة الوطنية، والثانية هى الأمة وبعض الجماعات والكيانات التى تتجاوزها والمرتبطة بالدين والطبقة والتحيز الأيديولوجى. والثالثة هى التجمعات الأصغر من الدولة مثل العائلة والقبيلة والطائفة والمؤسسة... إلخ.

ومعظم الأفراد يدينون بشكل من أشكال الولاء للجهات الثلاث معاً، ويسعون إلى إيجاد طريقة للجمع بينها، وإدارة أى اختلافات أو خلافات قد تنشب بينها، والتقليل من حجم التوتر الناجم عنها، والذى يوجد دوماً.

إن قيمة الولاء من العوامل الأصيلة التى تزكى الاستقرار، وتدعم أركانه، عبر مساهمتها فى كسب رضاء الجماهير الغفيرة، ودفعها إلى الالتفاف حول المصلحة الوطنية العليا. ومن ثم فإن النظم المستبدة، المحافظ منها والثورى، وكذلك النظم الديمقراطية، تهتم بقضية الولاء. ففى الدول التى تحتكر مجموعة محددة السلطة ويقل فيها معدل دوران النخبة السياسية أو تلك التى تفتقد إلى تداول السلطة بشكل منظم ومحدد بناء على إجراءات متفق عليها نابعة عن عقد اجتماعى عادل مبرم بين السلطة والجماهير، يصبح الاستقرار بمعنى «تكريس الوضع القائم» هو الهدف الأساسى للسلطة الحاكمة، فتحاول عبر آلتها الدعائية أن تقدمه على أنه غاية فى حد ذاته. والنظم الثورية تحتاج إلى الولاء لتجنيد الناس وتعبئتهم خلف مواقفها الرامية إلى إحداث تغييرات جذرية فى بعض المجالات. أما الدول الديمقراطية فهى تحتاج الولاء لحشد الناس وراء مشروعات التنمية الاقتصادية والسياسية، وإعلاء حقوق المواطنة. وجميع النظم تحتاج إلى ولاء شعوبها أيام الأزمات الداخلية والخارجية.

وداخل الدولة الواحدة لا يسير الولاء فى اتجاه واحد، أو يذهب إلى جهة واحدة، إذ لا يتفق المواطنون كافة على الإخلاص لرمز أو قيمة أو فكرة أو أيديولوجيا واحدة، وإنما تتعدد الانتماءات، وتتشابك الولاءات، ويصبح لدينا نسيج عريض من التحيزات العاطفية والمعرفية داخل حدود الدولة الواحدة، وفى ربوع المجتمع الواحد.

ورغم أن هذا الافتراض يقوم على مقولة أو حكمة عامة تصل إلى حد أن تكون مذهباً، بل ترقى إلى مستوى القاعدة المسلم بها وهى أن «الاختلاف سنة الحياة» فإن هناك أسباباً كثيرة تؤدى إلى تباين الولاءات بين الناس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تعدد ركائز القوة وانتشارها، وتنوع الأفكار واختلاف البيئات النفسية والاجتماعية للأفراد. فالقوة المادية والمعنوية لا تتركز فى فرد واحد أو مجموعة واحدة، وإنما تنتشر بين أفراد عدة ومجموعات عديدة، فهذا يستمد قوته من منصب سياسى يتبوأه، وهذا يستند فى نفوذه إلى صيت أو سمعة طيبة، وذلك يمتلك ثروة طائلة، تجعله قادراً على التأثير الاجتماعى، أو يحمل فى عقله معرفة دينية أو دنيوية تجلب له المكانة الاجتماعية.

والأفكار ليست نمطاً واحداً، وإنما ألوان عديدة. فالبنسبة للنوع هناك التقليدى والتحديثى. وبالنسبة للاتجاه نجد اليمينى واليسارى، ومن يقف فى المنتصف أو متبع «الطريق الثالث». وبالنسبة للتصنيف القيمى هناك المتطرف والمعتدل. ويندرج هذا جميعاً تحت مسميات ثقافية عامة، مثل دينى وعلمانى، كما يختلف الأفراد من حيث البيئة الاجتماعية التى ينتمون إليها، فهناك الريفى وهناك الحضرى. ومن حيث التصنيف الطبقى نجد الناس يتفاوتون بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، وهما طرفان متناقضان بينهما عشرات المستويات التى تُظهر إلى حد بعيد مدى تعقد الوضع الطبقى، إذا ما تم تحديده على أساس الدخل.

وهذا التفاوت والتشابك يؤدى فى النهاية إلى تعدد التحيزات العقلية، والميول النفسية للأفراد لتباين خلفياتهم من جهة، وتعارض مصالحهم من جهة ثانية، ومن ثم تتعدد ولاءاتهم. وقد يبدو ذلك فى نظر البعض طريقاً للتفسخ والتضارب بين مختلف الشرائح الاجتماعية، ما يسبب قلاقل متوالية للنظام السياسى. لكن النظرة المتأنية يمكن أن تقود إلى رأى يتناقض مع هذا إلى حد بعيد. فاختلاف الولاءات، إن كان يتم تحت راية إطار عام أو أرضية مشتركة، يؤدى إلى تفاعل قوى المجتمع مع بعضها البعض، بشكل أفقى، بحيث يتكفل كل منها بالآخر، ما يقلل من إمكانية أن تسير الإرادة المجتمعية بشكل رأسى لإزاحة السلطة الحاكمة. وحين تفشل هذه السلطة فى الحفاظ على ذلك التوازن يحدث الانقطاع الحاد للرحلة الطبيعية للمجتمع، كأن تقوم ثورة أو يقع تمرد أو انقلاب، أو يسقط البلد فى حرب أهلية.

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولاءات متعددة ولاءات متعددة



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab