بقلم:أسامة غريب
أعترف أننى لا أرى غسيلاً منشوراً فى أى بلكونة إلا قفزت إلى ذهنى صورة الفنان محمد رضا بضحكته المحببة عندما كان يصف لزملاء السجن شعوره لدى رؤيته الغسيل «مهفهف» على الحبل، وعندئذ كانت أوتار قلبه تهتز بشدة دافعة إياه إلى الإسراع بإعمال المقص فى الحبل، وحمل الغسيل والرحيل بعد أن تهدأ نفسه الثائرة!.
فى الكثير من دول العالم لا يسهل أن ترى غسيلاً منشوراً، إذ يستخدمون المجففات الكهربائية دون الحاجة إلى النشر فى الهواء الطلق، إلا أن بعض المناطق وبالذات الريفية مازالت مخلصة للتراث القديم، وأهلها يرون أن نشر الغسيل على الحبل هو أكثر فاعلية فى الحفاظ على نسيج الملابس، وصحى أكثر نتيجة تعرضه للشمس. رأيت فى بعض أحياء مونتريال الأقل حداثة وفى بعض أحياء أثينا وكذلك بالمجر ومعظم المدن التركية أحبال غسيل من نوع غير مألوف يختلف عن الذى نعرفه فى مصر. هناك حبل الغسيل يتصل بيد مشبوكة فى الشباك أو البلكونة، وهذه اليد تشبه قطعة الحديد التى تفتح التندة وتغلقها لدى المحلات التجارية.
وتقوم ست البيت بنشر قطعة الغسيل ثم تتولى تدوير الحديدة ليرحل الحبل قليلاً مع قطعة الملابس مفسحاً مجالاً جديداً لجزء آخر من الحبل تضع عليه السيدة قطعة ملابس جديدة، وهكذا. وبهذه الطريقة لا تكون هناك حاجة إلى عدد كبير من الحبال، إذ يكفى حبل واحد طويل يمتد عبر الشارع وأحياناً يدخل فى الشارع المجاور ويختفى عن أنظار أصحاب الغسيل، وهؤلاء لا يرون ملابسهم المختفية إلا بعد أن تجف عندما يقومون بسحب الحبل بطريقة عكسية لتعود إليهم الملابس من الشارع الخلفى!.
والملاحظة التى يعرفها من عاشوا بالغرب فيما يخص الغسيل هى عدم وجود غسالة بالشقة فى معظم المساكن، وإذا وجدت فإن هذا يكون مبرراً كافياً لرفع الإيجار، والأسباب فى هذا متعددة، فمنها ما يتعلق برغبة مالك العقار فى التوفير، إذ إن فاتورة المياه تكون عليه على العكس من فاتورة الكهرباء التى يتحملها كل ساكن لنفسه، لهذا فإن بعض أصحاب العمارات يستغلون الطابق تحت الأرضى فى وضع عدد من الغسالات الأوتوماتيكية التى تعمل بالكروت الذكية أو تعمل باستخدام العملة، وبهذا يضيفون إلى استغلال العقار بيزنس جديد هو مغسلة خاصة.
غير أن هناك عمارات تخلو من مثل هذه الغسالات فيضطر سكانها إلى استعمال المغاسل التى تمتلئ بها الشوارع. أما أصحاب البيوت الصغيرة أو الفيلات المصنوعة بالأساس من الخشب فإن القانون يمنعهم من تركيب غسالات، خشية أن تساعد الاهتزازات المتكررة فى التأثير على المبنى، فضلاً عن الخوف من تسرب المياه غير المرئى الذى قد يعجل بانهيار البيت. لهذا فإنه من المألوف أن نرى السكان يحملون غسيلهم فى مشوار أسبوعى لأقرب مغسلة حيث يقضون بها يوم الإجازة!.
وربما من هذه الناحية فإن أهالى الأحياء الفقيرة بمصر أسعد حالاً من معظم سكان نيويورك ومونتريال، فعلى الأقل لكل أسرة غسالة داخل البيت.. وهذا من عجائب الحياة!.