الصديق الذى يُنكرنا

الصديق الذى يُنكرنا

الصديق الذى يُنكرنا

 العرب اليوم -

الصديق الذى يُنكرنا

بقلم : أسامة غريب

كان لنا فى الأزمنة الغابرة صديق أتى من الريف ليلتحق بالجامعة فى القاهرة، وكان لا يخفى إعجابه بكل مايراه فى «مصر» وكثيرًا ما سمعناه يردد ندمه على السنوات التى ضاعت من عمره بعيدًا عن أم الدنيا. ونظرًا لاغترابه فقد كنا نحن القاهريين ندعوه ليأكل معنا فى بيوتنا طبيخًا مما تصنعه الأمهات. وذات مرة كنا نتغدى عند صديق لنا فى المنيل وكان صاحبنا الريفى بصحبتنا عندما وجدناه يتأوه من حلاوة طبق أرز كان مشتبكًا معه بكليّـته لدرجة أنه كان يناجيه ويتحدث إليه فى شوق. وما كاد يفرغ من الطبق حتى سألنى عن ماهية هذا النوع من الأرز فقلت له إن هذا الطبق الذى لحس عقله هو أرز بالعنبر وأن الحاجّة أم مجدى صديقنا متخصصة فى هذا الطبق منذ أجيال وقد ورثت الصنعة عن والدتها التى كانت سليلة العنبرى باشا. تدخّل أحد الأصدقاء وقال لصاحبنا: لا تصدقه، فهذا الذى أكلناه هو طبق أرز بالزعفران وقد اكتسبت هذه العائلة صناعته من انتسابها للزعفرانى باشا، صاحب قصر الزعفران الشهير. أفهمه كذلك أن الحاجّة أم مجدى تعود إلى أسرة مملوكية عاشت على زمن ظاهر شاه وانتقلت من بلاد فارس مع تجار العبيد حيث استقرت بمصر أيام كان الزعيم بلطاى يصول ويجول فى البلاد. تدخل صديق ثالث وعقب قائلًا: أنتما الاثنان مخطئان والطبق هذا هو أرز بالكارى، موطنه الأصلى الهند، ومن الممكن أن يكون قد خرج من بيت طاغور الشاعر العظيم على شكل بريانى أو على الأقل هو أرز المهاتما الشهير المعروف فى بنجالور!.

سرح الفتى مع الخيال وأحسسنا أنه يستدعى أزمانًا ملكية كانت فيها الموائد عامرة بما لذ وطاب، فلم نتردد فى إضافة التوابل لهذا الخيال فحدثته عن طبق الشركسية بالدجاج الذى تخصصت فيه والدتى وحدثه آخر عن كشك ألمظ المشهورة به عائلته وثالث عن طبق الشاتوبريان الذى أخذوه عن جارتهم الفرنسية. كل هذا والمسكين يصدق كل ما يسمع ولا يدرى أن ما أكله لا يعدو كونه طبق أرز عاديا عليه بعض العدس الأصفر، ولم يخطر بباله أننا فقراء مثله.. صحيح لا نعرف البتّاو والجعضيض اللذين كانا يطاردانه فى أحلامه، لكننا كنا من أكلة الفول والكشرى والبصارة فى أحسن الأحوال.

الغريب أن هذا الصديق قد شق طريقه فى العاصمة وقطع صلته بقريته بعد أن تخرج ثم تزوج ابنة أحد التايكونات، واعتلى أمواجًا أخذته لدنيا الأثرياء وأصحاب المراكز، وصار يتجنبنا ويسعى جاهدًا لتفادى اللقاء بأى أحد من الشلة القديمة، ومع ذلك فإننى أحيانًا ما أظهر له فى بعض اللقاءات التى أدعى إليها ويكون موجودًا بها وأهمس فى أذنه بأننى سأحكى للحاضرين عن ماضيه عندما وقع فى غرام طبق أرز، فيرتبك ويستحلفنى ألا أفعل. العجيب أنه يتبرأ من الفترة الوحيدة فى حياته التى كان فيها بريئًا، نقيًا، شريفًا!.

arabstoday

GMT 17:22 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

وهل كنا نعيش في المدينة الفاضلة؟!

GMT 17:21 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حكاياتي مع السيجارة

GMT 15:26 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

ترامب في الجامع.. رسالة التسامح والسلام

GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)

GMT 15:20 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

إنقاذ سوريا

GMT 10:33 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

آخر اختبار لأخلاق العالم

GMT 03:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حياة عادية

GMT 03:09 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

ياسمين حسان ياسين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصديق الذى يُنكرنا الصديق الذى يُنكرنا



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا

GMT 02:41 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

هذه القصة المُحزنة

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab