بقلم : أسامة غريب
لقد تعلم الإنسان باكرًا ألا يكتفى بالمأكولات التى تطرحها الأرض والتى تملأ الحقول والأشجار، ومضى ينافس السباع الضوارى فى أكل لحوم الكائنات الأخرى. وإذا كان الأسد لا يستطيع لأسباب جينية أن يأكل الفاصوليا أو القلقاس، فإن الإنسان على العكس لا تقهره طبيعته وتدفعه رغمًا عنه لتناول اللحوم، وإنما بإمكانه أن يتصرف على نحو محترم ويحفظ على مخلوقات الله حياتها ويكتفى بتناول الخضر والفاكهة.. إذا أراد.
لكن الإنسان عندما قرر أن يستبيح أكل المخلوقات الأخرى فإن مخاوفه النفسية من الضوارى المنافسة له فى الوحشية ربما دفعته إلى الابتعاد عن أكل النمور والذئاب والضباع التى قد تصرعه وتلتهمه بينما يحاول أن يُخضعها لسكّينه!.. اتجه الإنسان لأكل الحيوانات الضعيفة التى تحلم بالعيش فى سلام ولا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تريد أن تعتدى على أحد أو أن يعتدى عليها أحد، فاتخذ من الغزلان والحملان والبط والأوز والدجاج والأرانب والحمام غذاء شهيًّا له. وربما كان طيب لحم الكائنات المسالمة هو ما أغرى الإنسان باتخاذها غذاءه الأساسى بعد أن جرب- على مضض- لحم الوحوش الكواسر فلم يجده طيباً.. ولعل الغدر الذى يميز هذه الكائنات قد طبع مذاقها بطعم الويل!.
وعلى الرغم من اعتياد الإنسان التهام الحيوانات التى تعيش على الحَب وتأكل الثمار والمزروعات دون الحيوانات التى تعيش على افتراس بعضها البعض فإنه استثنى الحمار من المجزرة ولم يتعود تناوله. وقد فسر البعض هذا الموقف بأن احتياج الإنسان للحمار فى الأشغال الشاقة واعتماده عليه فى أعمال النقل قد أنجاه من المذبحة، ولكن هذا القول لا يصمد أمام استباحة نفس الإنسان للبقرة وذبحه لها على الرغم مما تقدمه له من خدمات فى الزراعة ودرس الحبوب، فضلًا عن تدوير الساقية لرفع المياه ورى الأرض. لا يتبقى فى رأيى سبب لإحجام الإنسان عن طبخ الحمار سوى عدم اليقين بأن هذا الحيوان مسالم ونبيل.. وقد تكون أذناه الطويلتان مع صوته المنكر سببًا فى إشاعة تصورات حول كونه غدارًا وعنيفًا وأنَ ركلته قد تودى بمَن يتعرض لها.. ولعل الجهل بحقيقة الحمار ككائن رقيق هو ما جعل الإنسان العنيف يحترمه- على غير أساس- فالإنسان بتكوينه لا يحترم غير الكائنات الشرسة بينما يستخف بالأخرى التى لا تحاول إيذاءه!. ومع هذا فإننا نلاحظ أن نفس الإنسان الذى يحفظ للحمار حياته ولا يأكله يبادر بإهدار نفس الحياة فيذبح الحمير يوميًّا ويقدمها طعامًا للأسود والنمور فى حديقة الحيوان، ولا أفهم لماذا لا يطعمها لحم الأبقار أو الماعز!.
لكن مهلًا.. يبدو أن تفكيرى قد تشتت فكتبتُ بثقة زائدة أن الإنسان لا يطبخ الحمار ولا يأكله، وحاولت أن أوجد التأصيل الفكرى لهذه المسألة.. هذا على الرغم من أننى أعلم أن الحمار يؤكل ويُصنع منه الكباب فى بعض البلاد التى نعرفها جيداً!.