بقلم : أسامة غريب
وقع لى هذا الحادث عام ٢٠٠٨، ومع ذلك لا تزال فقرات عنقى تئن بسببه من يومها. عندما كنت أقترب بالسيارة من منتصف طريق الإسكندرية الصحراوى رأيت فى المرآة سيارة تأتى من الخلف مندفعة وكأن قائدها أقسم ألا يعود إلى بيته. ولأننى لم أتلقَّ مع دروس القيادة أى تعليمات بشأن الهجمات الانتحارية، فلم أعرف ماذا أصنع، ووجدت نفسى أحدّق فى المرآة أسألها بأى وضع من الأوضاع ألقاهُ.. الموت أقصد. أغمضت عينىَّ وسمعت دوى الارتطام. كانت المفاجأة أننى سليم والحمد لله إلا من بعض الرضوض والكدمات، ولاحظت أن كل مَن ينظر إلى سيارتى المحطمة يضرب كفًّا بكف ويسأل الله النجاة. حضرت الشرطة، فدعوت الضابط إلى الجلوس بجوارى على الرصيف. الغريب أننى شعرت بالإشفاق عليه لأنه ليس لديه ما يفعله سوى السعى لإقناع الطرفين بالتصالح ونسيان ما حدث (أيًّا كان ما حدث!). فى بلاد الدنيا كلها يتولى التأمين أمر التلفيات فى حالة الحوادث، ويقوم القانون بتقرير العقوبات والتعويضات.
لكن أمرنا مختلف، فتجربتنا مع الحوادث نابعة من خصوصيتنا، وهذه الخصوصية تقضى بأننا لا نقبل العَوَض لأنه حرام!، أما مبلغ التأمين الإجبارى الذى ندفعه عند الترخيص فهو أشبه بالصدقات التى تطفئ غضب الرب لكن لا علاقة له بالحوادث!. ظهر صاحب السيارة التى صدمتنى بوجه غاضب، وسددّ نحوى نظرات نارية، وبدا أنه يريد افتراسى. رغم ذلك قلت لنفسى سأعاتبه قليلًا، ثم أتركه يمضى لحال سبيله. قال الضابط: إما التصالح أو نقوم بتحويل الأمر إلى النيابة. قلت له: أنا لا أريد شيئًا سوى أن يكون الأستاذ قد عرف نتيجة التهور، وأن يتمهل فى قيادته، وتكفينى منه كلمة اعتذار. هنا فوجئت بالرجل يصرخ قائلًا: أنا لن أعتذر، وأرفض الصلح، وأنت لا بد أن تقوم بإصلاح التلفيات فى سيارتى. قلّبت بصرى بينه وبين الضابط فى ذهول، وتساءلت: أنت الذى تريد تعويضًا؟، هل يتعين علىَّ أن أعتذر لأن قفايا قد تجاوز، وآلم يدك الكريمة عندما صفعها؟. يا حضرة الضابط قل شيئًا.. إن سيارتى قد سُحقت من الخلف وليس من الأمام، والأفندى يطلب تعويضًا، ويبدو أن تسامحى قد أغراه.
لقد كنت أنوى أن أتنازل وأتركه، أما بعد الذى قاله فلا يسعنى سوى أن أقوم بتوكيل محامٍ وأطلب تعويضًا ضخمًا.. خذ إجراءاتك القانونية، ولنذهب إلى النيابة. عندئذ فوجئت بالغضنفر الغاضب يتراجع عن عنجهيته ويقول: خلاص أنا موافق على الصلح. قلت له: ليس هناك صلح.. ستدفع ثمن إصلاح سيارتى، علاوة على تعويض لقيامك بترويعى، ولن يكفينى أقل من سجنك. فاجأه إصرارى فتراجع أكثر وتحول من أسد هصور إلى دجاجة. مصيبتنا أنه بسبب عدم وجود نظام حقيقى للتأمين على السيارات، فمن العادى أن يهرب الجناة عند وقوع حادثة، ومَن لا يتمكن من الهرب ينزل من سيارته مثيرًا زوبعة من الصراخ والشتائم وادعاء البراءة، محاولًا جمع رأى عام من المتفرجين يسانده ليلقى فى قلب الضحية الرعب، ويجعله يقبل التصالح، حتى لو كانت سيارته قد أصبحت خردة!.