الاستمارة

الاستمارة

الاستمارة

 العرب اليوم -

الاستمارة

بقلم : أسامة غريب

 

بعض المتدينين معادون للفلسفة لأنها لا تكف عن طرح الأسئلة، بينما هم يمتلكون كل الأجوبة، فما حاجتهم لأسئلة جديدة تضطرهم إلى لىّ عنق النصوص التى لا توجد أى أجوبة خارجها.

هذا مفهوم، فبالنسبة للمتدين التقليدى المسألة بسيطة للغاية وهى لا تخرج عن كون الحياة مجرد استمارة تتجدد كل صباح، وفى خانات الاستمارة يستطيع أن يضع علامة صح أمام صلاة الظهر وأمام صلاة العصر وهكذا. يستطيع أيضًا أن يضع العلامة الكاملة أمام صيام رمضان وأمام الإحسان إلى شحاذ، ويستطيع أن يضع علامة صح أمام قراءة وترديد الدعاء الفلانى مائة مرة، وبهذا يحصل على علامات تسمح له بالوصول إلى الجنة. وقد يتضايق هذا الشخص إذا ذكّرته بأن الاستمارة تخلو من درجات بالنسبة لإفساح الطريق لسيارة الإسعاف لأنه هو نفسه لا يفعل هذا، بل إنه مثل غيره يلتصق بالإسعاف عسى أن تساعده على الهروب من الزحام وحده!.

تخلو الاستمارة أيضًا من درجات لقول الحق والوفاء بالوعد وتناول اللقمة الشريفة، لأنه هو نفسه متخصص فى دق الأسافين للزملاء ولا يتردد عن الشهادة الزور فى حق من يكرههم، كما يأخذ الرشاوى تحت مسميات عديدة كما يدفعها أيضًا طوال اليوم، وهو بطبيعة الحال لا يريد أن تتضمن الاستمارة هذه المسألة حيث سيحصل على صفر!. هنا نجد أن هذا النوع من التدين يساعد الناس الأقل قدرة على العمل الصالح الحقيقى، ويمنحهم الرغبة فى التشبث باستمارة الطقوس والعبادات التى لا تعرضهم لامتحان حقيقى فى مادة الشرف!.

لكن على الرغم من أن الاستمارة تحرم الإنسان من حلاوة فعل الخير الطبيعى كما تحرمه من قراءة الأدب ومن زيارة المتحف وفك شفرة اللوحة ومن الاستمتاع بالفيلم السينمائى، أى الحرمان من كل المتع التى ينعم بها المتفلسف والمتأمل.. فإنه عند الأحداث الكبرى والكوارث والمصائب والغارات فإن الناس ينحّون الفلسفة جانبًا، ذلك أنها تحتاج إلى فسحة من الوقت المشمول بالهدوء والسلام ويلوذون بالاستمارة حيث يفتحونها ليضيفوا إليها الكثير من الأدعية والأذكار والأوراد..

عندما يكون الظهر للحائط بعد أن تخلو اليدين فإنك ستطلب اللطف من الإله ولن يعصم عقلك من الانهيار وقلبك من الانفجار سوى العشم بأن الأهل الذين فقدتهم فى الكارثة ستلقاهم فى العالم الآخر وهذا من شأنه أن يخفف من الفاجعة ويجعلك أقل حنقًا على الحياة وأكثر تقبلًا لمصيرك مهما كان مخالفًا لأمنياتك. تتنحى الفلسفة التى لطالما كانت ضرورية لتقدم البشرية عندما تتعرض الحياة لخطر الإبادة.

ولعل هذا يفسر لماذا ينتحر المؤمنون بالإنسان عند مواجهة كوارث الحياة، ذلك أنهم قد تعودوا على التأمل والتفكير وفلسفة الأمور، وذلك يحتاج إلى الوقت من أجل التمثل والاستيعاب ثم الخروج بفكرة.. لكن وقت الزلزال والأهل يتساقطون، أو وقت الغارات والبيوت تنهار لا يكون هناك وقت للتأمل والتفكير، وعند العجز عن التصرف يكون الحل فى الانتحار، بينما لا ينتحر أصحاب الاستمارة الذين يأملون فى النجاة واستئناف الحياة المعيوبة، أو فى الموت تحت الأنقاض ومن ثم يلقون الأحبة سريعًا!.

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستمارة الاستمارة



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab