بقلم : أسامة غريب
من المعروف أن مسرحية ريا وسكينة التى عُرضت فى مطلع الثمانينيات لم يشارك بها أحمد بدير من البداية، ولكن كان حمدى أحمد هو من يؤدى دور الشاويش عبد العال إلى أن دب الخلاف بين حمدى وأبطال العمل الثلاثة فغادر الفرقة ووصل الدور إلى بدير. سمعنا فى شأن هذا الاستبدال أقاويل كثيرة، أهمها ما جاء على لسان حمدى أحمد نفسه فى لقاء تليفزيونى من أن الخروج على النص كان يزعجه بشدة خصوصًا من الفنان عبد المنعم مدبولى، وحكى أن مدبولى كان يطلب منه أن يضحك عند بعض الجُمل، غير أن حمدى لم يستجب لأن ما يُقال ليس مضحكًا من وجهة نظره، فضلًا عن أنه غير موجود فى نص المسرحية. فى اعتقادى أن الفنان حمدى أحمد كان اختياراً خاطئًا منذ البداية للعمل فى مسرحية كوميدية تقدم وجبة إضحاك وفرفشة بالأساس، وأنه اكتشف مع توالى أيام العمل أنه الوحيد الذى لا يثير ضحك الجمهور، بينما سهير البابلى ومدبولى بينهما وبين جمهور المسرح كيمياء عمرها عشرات السنين، أما شادية وإن لم تكن كوميديانة إلا أن طلتها الآسرة وعشق الجماهير لها جعلت الأكف تلتهب بالتصفيق فى كل دخول لها إلى خشبة المسرح. الوحيد الذى كان نغمة نشاز فى العرض هو الشاويش عبد العال.. هذا بالرغم من أن الفنان حمدى أحمد له أعماله التراجيدية المهمة وأهمها دوره الخالد فى القاهرة ٣٠. ليست المشكلة إذن هى الخروج على النص، لكنها فى أن حمدى أحمد لم تكن لديه مثل هذه المقدرة حتى يجارى زملاءه ويخطف منهم بعض السوكسيه. وفى الحقيقة، لقد اعتدنا دائماً أن نستمع إلى الشكوى من الخروج على النص من جانب الفنانين الذين تقصر بهم قدراتهم وبديهتهم عن هذا الخروج، فكانوا يغلفون عدم المقدرة هذا بغلاف الالتزام وقدسية النص!.. هذا فى الوقت الذى كان فيه أساطين الخروج على النص مثل أمين الهنيدى وعادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم يتحدثون عن الإضافة اليومية وعملية تجديد وإثراء النص. ومن المفارقات أن مدبولى الذى تسبب فى مغادرة حمدى أحمد للمسرحية هو نفسه كان قد ترك مدرسة المشاغبين ليقوم بدوره حسن مصطفى بعد أن وجد الخروج على النص قد جاوز كل مدى حتى أصبح العرض يمتد لأربع ساعات وأنه - أى مدبولى - كان يضطر للجلوس بغرفته فترات طويلة فى انتظار أن يأتى دوره للدخول، وفى اعتقادى أن مدبولى لو كان قد وجد فى دوره المحدود كناظر للمدرسة قماشة تسمح بالتطويل لما ترك الفرصة، لكن أبطال العرض، مجموعة الشباب المتحمسين والمنغمسين فى مصطلحات الشباب فى ذلك الوقت كانوا أشد من أن يجاريهم شيخ فى سنه، فاضطر لترك العرض!.
ما أريد أن أقوله هنا إن الصورة الحقيقية للأشياء ليست كما تبدو، وتبريرات الفنانين ليست دائماً حقيقية. وأنا هنا لا ألوم ولا أحاكم.. أنا فقط أعرض أن كليشيهات أخلاقيات المسرح وقدسية النص وضرورة الالتزام إلخ إلخ.. كثيراً ما تكون مجرد قُصر ديل!