بقلم:أسامة غريب
للكاتب جورج أورويل قيمة معتبرة فى الفكر الإنسانى، ومعظم قراء الأدب يعرفون رواية ١٩٨٤ كما يعرفون مزرعة الحيوانات وهما من أعماله الخالدة. له كذلك إسهام طيب فى النقد الأدبى والشعر والمقال الصحفى والقصة القصيرة. من أعماله القصصية الجميلة واحدة اسمها «إطلاق النار على الفيل» وقد كتبها عام ١٩٣٦ عندما كان يخدم فى بورما ضمن القوات البريطانية، وأغلب الظن أن القصة نابعة من تجربة شخصية عاشها. تحكى عن ضابط إنجليزى كان يجلس فى مكتبه فى رانجون عندما ذهب إليه جمع من السكان المحليين يخبرونه بهروب أحد الأفيال وانطلاقه وسط السكان وهو فى حالة هياج جنونى.
بعد ذلك صدرت الأوامر للضابط من قيادته بضرورة التصرف حيال هذا الموضوع، فوجد نفسه يمتشق البندقية بعد أن قام بتلقيمها ومضى يبحث عن الفيل. كانت الأخبار تأتيه من السكان المحليين مثيرة للذعر عن قيام الفيل بتدمير أحد الأكواخ وإطاحة إحدى العربات ثم القيام بدهس أحد السكان المحليين ودفنه فى الطين بأقدامه الثقيلة.
كان يجد صعوبة فى اقتفاء آثار الفيل حيث أقوال المحليين متضاربة، وشعر بأن الغرض هو تضليله والاستهزاء منه كضابط بريطانى يحظى باحتقار السكان مع خوفهم منه فى نفس الوقت. لكن مع مضيه فى البحث اكتشف أن أعداداً كبيرة من الناس تتبعه وتسير خلفه وكأنهم يشاهدون مباراة سوف تنتهى نهاية ممتعة بعد أن يعثر على الفيل ويرديه برصاصة. فى قرارة نفسه لم يكن ينوى قتل الفيل إطلاقاً، وكل ما كان يفكر فيه هو العثور عليه وحصاره حتى يحضر حارسه الذى يملك القدرة على ترويضه والعودة به.
كان الضابط كلما نظر خلفه فوجئ بأعداد الناس الزاحفة خلفه وقد تكاثرت لتشهد نهاية الفيل الهارب. أخيراً أمكنه أن يرى الفيل عن بعد وقد أخذ ينزع الحشائش عن الأرض ثم يضرب بها ركبتيه ليخلصها من الطين قبل أن يلتهمها. وضح للضابط أن نوبة جنون الفيل قد سكنت ولم يعد يشكل خطراً، وقد بدا له فى منظره هذا وهو يأكل العشب كبقرة تتناول الطعام. فى هذه اللحظة شعر الضابط بأنه من الخطأ أن يطلق النار على الفيل، واستقر رأيه على أن يتعقبه بعض الوقت كى يتحقق من أنه لن يبدأ الهياج من جديد ثم يتركه ويعود إلى البيت. لكن المشكلة لم تكن فى الضابط، كانت فى الجمع الذى يزأر خلفه فى انتظار الأكشن. لقد شعر بإرادة الجمهور الجامحة تستحثه بقوة لا يمكن الصمود أمامها. الناس تتوقع منه أن يطلق النار وسوف تصاب بخيبة أمل رهيبة إذا لم يلبِ رغبتهم، وانتابه شعور بأنه لو ابتعد وترك الفيل لحاله فسوف يكون محط سخريتهم، وهذا ما لا يمكن احتماله. فى النهاية وجد نفسه يطلق النار على الفيل حتى لا يظن الناس أنه ضعيف أو أحمق!.
قيمة هذه القصة تكمن فى قدرتها على إظهار سلطة الجماعة على الفرد وسلطة الغريزة على العقل وشهوة الانتقام التى تضيّع العدالة.