بقلم : أسامة غريب
الحرب الأهلية هى المظهر الذى يطبع علاقة مكونات الأوطان العربية ببعضها البعض، ففى ليبيا تدور رحى الحرب الأهلية بين حكومة فى طرابلس مدعومة من قوى عربية ودولية، فى مقابل تنظيم حاكم فى بنغازى له ظهير عربى ودولى. وفى اليمن انقسمت الدولة إلى جزء يسميه بعض العرب الحكومة الشرعية ويرأسها رجل لا أعرف اسمه يقيم خارج اليمن ويصنف بأنه أول من قام بالعمل عن بُعد (حتى من قبل وباء الكورونا) وهو مدعوم من قوى عربية ودولية، وهذا الجزء ليس له مشكلات مع إسرائيل، بل إنه يبارك القصف الأمريكى البريطانى الإسرائيلى لصنعاء وصعدة والحديدة، فى مقابل جزء يحكم قبضته على العاصمة وعلى الأجزاء الشمالية، وهذا الجزء يخوض حربًا غير متكافئة مع القوى الغربية، غير أنه يلحق الأذى بالصهاينة.
أما فى سوريا فالحرب الأهلية التى ثارت منذ ٢٠١١ لم تتوقف باعتلاء الجولانى سدة الحكم فى دمشق، لكن هذا الرجل ورث عرش الأسد كما ورث مشكلاته وخصوماته مع باقى المكونات السورية التى تفترق عن تنظيمه، وهو يحاول أن يصفى هذا الإرث ضد العلويين والأكراد والدروز مستعينًا بإسرائيل وتركيا، أى أن السلام لن يحل فى سوريا وسوف تندلع الحرب الأهلية من جديد، لأن حلفاء الجولانى يريدون تقسيم الوطن السورى وتفتيته. وفى لبنان نجد الحرب الأهلية مشتعلة داخل أرواح اللبنانيين وفى نفوسهم وعقولهم، ولا يبقى لإطلاق الصواريخ سوى حدث عارض أو استجابة لتحريض من جانب السفراء الذين يديرون الساسة اللبنانيين كعرائس الماريونيت.
أما عن النكبة السودانية، فهذه قد تواطأ عليها الجميع وكادت أخبارها أن تختفى عن الميديا العالمية بعد أن نجح التجاهل فى التطبيع مع الحرب الأهلية الدائرة منذ سنتين. ينقسم الناس إزاء ما يحدث فى السودان إلى قسمين: فريق يشجع البرهانى باعتباره يمثل السلطة الشرعية فى السودان، وذلك على الرغم من أن أحدًا لم ينتخبه، وفريق آخر يشجع الجنرال حميدتى الذى حصل على الرتبة الجنرالية من البرهانى نفسه دون أن يدخل كلية عسكرية أو حتى مدرسة ابتدائية!.. وتتراوح الحرب هناك ما بين انتصارات يحرزها جيش البرهانى، حتى إذا ما اقترب من تحقيق الانتصار، اندفعت بعض القوى الإقليمية بتزويد قوات الدعم السريع بطائرات مسيرة متقدمة تغير على الخرطوم فتدمر شبكات المياه والكهرباء ثم تنطلق نحو بورتسودان البعيدة فلا تترك محطة وقود أو غاز أو كهرباء دون أن تبيدها. وفى الحقيقة أن السودانيين الذين تصوروا أن حسم الجيش للمعركة صار قريبًا وأن اندحار قوات حميدتى أصبح فى المتناول لم يعودوا يأملون فى السلام. وحتى الأمل الذى أصبح بعض السودانيين يتطلعون إليه وهو انفصال دارفور حتى يستقل حميدتى بدولة ويترك بقية السودان فى حاله.. حتى هذا الأمل لن يحدث لأن القوى الدولية والإقليمية التى تسعّر نار الحرب لا تريد التقسيم الذى يتبعه الهدوء، وإنما يريدون للحرب أن تظل مشتعلة على الدوام.
كل هذا ولم نتحدث عن فلسطين وعن مجازر غزة والضفة، فيا لبؤس العرب!.