لا مكان في الشرق الأوسط والخليج إلّا لدونالد ترامب، وما إذا كانت جولته الخليجية ستجيب عن السؤال الأساسيّ: من رئيس الولايات المتّحدة، المقيم في البيت الأبيض… أم بنيامين نتنياهو؟ يتعلّق الأمر بالدور القيادي الأميركي في المنطقة والعالم، وما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب تأكيد أنّ اليمين الإسرائيلي، بقيادة رئيس الحكومة الحالي، بأجندته المخيفة، لا يتحكّم بالسياسة الأميركية، لا في الشرق الأوسط ولا في الخليج.
المطروح خلال وجود دونالد ترامب في المنطقة موضوع النظرة الأميركيّة للشرق الأوسط والخليج في إطار يتجاوز المنطقتين. يرتبط هذا الإطار بما إذا كان في استطاعة دونالد ترامب أن يكون الرئيس دوايت أيزنهاور الآخر الذي امتدّ عهده بين 1953 و1961.
يفرض السؤال، المتعلّق بالدور القيادي الأميركي، نفسه في ضوء قول نتنياهو لأحد الزعماء العرب في الماضي القريب: “لماذا تذهب إلى واشنطن؟… من الأفضل لك المجيء إلى عندي. أنا رئيس الولايات المتّحدة الأميركية”. هل آن أوان وضع ترامب حدّاً لعنجهية رئيس الوزراء الإسرائيلي التي يبدو أنّها من النوع الذي لا حدود له، خصوصاً أنّه يؤمن بإمكان تصفية القضيّة الفلسطينية.
مثل هذا الإيمان بتصفية القضيّة الفلسطينية مستحيل، لا لشيء إلّا لأنّ القضيّة، بغضّ النظر عن الفشل الذي يجسّده محمود عبّاس (أبو مازن) و”حماس” في آن، لا يلغي وجود الشعب الفلسطيني بأيّ شكل. أكثر من ذلك، لا مجال للاستقرار الحقيقيّ في المنطقة كلّها من دون تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. تشهد على ذلك الأحداث التي تهزّ المنطقة، وهي أحداث في أساسها رعونة “حماس” التي شنّت هجوم “طوفان الأقصى” انطلاقاً من قطاع غزّة في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. من هنا يأتي تأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بالأمس في مؤتمر صحافي بعد انتهاء زيارة ترامب على الموقف السعودي الثابت بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. مما يؤكّد أنّ دول الخليج داعمة ومتماسكة في مسعاها لقيام دولة فلسطين…
ليس مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه عن طريق جعل رئيس الولايات المتّحدة إسرائيل تأخذ حجمها الطبيعي
الرّئيس الحقيقيّ للولايات المتّحدة
من المتوقّع أن تكشف الجولة الخليجية لترامب مَن الرئيس الحقيقي للولايات المتّحدة في ضوء نجاح “بيبي” في السنوات الماضية، خصوصاً في عهد باراك أوباما، في تأكيد أنّه يمتلك في مجلسَي الكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النوّاب) نفوذاً يفوق نفوذ المقيم في البيت الأبيض. في عام 2011، خطب “بيبي” في الكونغرس وتفادى، عن قصد، المرور على البيت الأبيض، أقلّه للسلام على باراك أوباما. تحدّى نتنياهو رئيس الولايات المتّحدة في عقر داره من دون أن يرفّ له جفن!
ترامب
كشفت أحداث الأيّام الأخيرة أن ليس في الإمكان الاستخفاف بدونالد ترامب. أجرت إدارته، في قطر، مفاوضات مباشرة مع “حماس” من خلف ظهر نتنياهو واستطاعت إخراج الجندي عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسيّتين الأميركية والإسرائيلية من الأسر. أفهم ترامب “بيبي” أنّه ليس باراك أوباما، بل يمكن أن يصير دوايت أيزنهاور الذي أجبر الإسرائيليين على الانسحاب من سيناء في عام 1956. وقتذاك، علم أيزنهاور متأخّراً بالعدوان الثلاثي على مصر، في ضوء تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس. أجبر أيزنهاور البريطانيين والفرنسيين على الانسحاب من مدن القناة وأجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء بعد انضمامها إلى بريطانيا وفرنسا في حملة عسكرية تستهدف تأديب عبدالناصر.
كانت حجّة أيزنهاور، قائد القوّات الأميركيّة في الحرب العالميّة الثانية، أنّه لا يحقّ لبريطانيا وفرنسا شنّ حرب من نوع حرب السويس من خلف ظهر الولايات المتّحدة وبالتفاهم مع إسرائيل. كانت رسالته أنّه يوجد نظام دولي جديد لا بدّ من احترامه. لم يكن ممكناً تحقيق انتصار للحلفاء على هتلر من دون الجيش الأميركي.
المطروح خلال وجود دونالد ترامب في المنطقة موضوع النظرة الأميركيّة للشرق الأوسط والخليج في إطار يتجاوز المنطقتين
أمر أيزنهاور رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن بوقف حملة السويس وانسحاب الجيشين البريطاني والفرنسي من منطقة قناة السويس وإخلاء إسرائيل لسيناء. لم يضطرّ إلى التدخّل شخصيّاً في ذلك. تولّى وزير الخارجية جون فوستر دالاس ذلك. قال الوزير الأميركي لإيدن ما معناه أنّه إذا لم يحصل الانسحاب البريطاني – الفرنسي من السويس، لن يعود الجنيه الإسترليني صالحاً لغير تلميع الأحذية. لم يجد دالاس حاجة إلى الاتّصال بالجانب الفرنسي من أجل تنفيذ تعليمات أيزنهاور.
التّاريخ يعيد نفسه
ليس مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه عن طريق جعل رئيس الولايات المتّحدة إسرائيل تأخذ حجمها الطبيعي. في النهاية لم يكن في استطاعة إسرائيل الذهاب بعيداً في حربها على غزّة ثمّ القضاء بشكل شبه نهائي على “الحزب” من دون الدعم الأميركي الذي أخذ أشكالاً عدّة. لن تستطيع إسرائيل منع “الجمهوريّة الإسلاميّة” من امتلاك سلاح نووي من دون دعم عسكري وسياسي أميركي.
تبقى إسرائيل إسرائيل وتبقى أميركا أميركا. تحكّم بنيامين نتنياهو بالقرار الأميركي منذ خروج بيل كلينتون من البيت الأبيض. كان كلينتون آخر رئيس أميركي يحاول بالفعل إيجاد تسوية سياسية تعيد للفلسطينيين بعضاً من حقوقهم. فعل ذلك عندما جمع ياسر عرفات وإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، في منتجع كامب ديفيد في عام 2000. كان ذلك في آخر ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة.
كشفت أحداث الأيّام الأخيرة أن ليس في الإمكان الاستخفاف بدونالد ترامب
تغيُّر في المزاج الأميركيّ
ستكون خطوة دونالد ترامب الأخيرة المتمثّلة بإطلاق الجندي الأميركي– الإسرائيلي، والتي سبقها فتح مفاوضات أميركية – إيرانية بوساطة من سلطنة عمان، مؤشّراً إلى تغيّر في المزاج الأميركي تجاه إسرائيل وشخص بنيامين نتنياهو بالذات.
يُفترض أن تكشف الأيّام القليلة المقبلة هل يستطيع دونالد ترامب السير على طريق دوايت أيزنهاور في ضوء اكتشافه أنّ لدى الولايات المتّحدة، بين الدول العربية وفي مقدّمها المملكة العربيّة السعودية، حلفاء تاريخيّين في المنطقة، وأنّ لهؤلاء وزناً لا يمكن تجاهله… في حال كان يريد بالفعل السير في شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجدّداً”. لا يمكن لأميركا أن تكون عظيمة في حال نظرت إلى العالم من زاوية مصلحة اليمين الإسرائيلي و”بيبي” نتنياهو بالذات!