صنع الله إبراهيم شرف المثقف

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

 العرب اليوم -

صنع الله إبراهيم شرف المثقف

بقلم - عبد الله السناوي

اكتسب رمزيته من قوة نموذجه الإنسانى، فهو مبدع كبير من جيل الستينيات لا يتلون بتغير العصور، يقول ما يعتقد فيه تحت كل الظروف، كأنه صوت ضمير يأبى على اعتبارات البيع والشراء، هو تلخيص رمزى لـ«شرف المثقف»، لعله أكثر من يستحق فى حياتنا المعاصرة أن يكون تجسيدًا حيًا لتعريف المثقف عند الفيلسوف الفرنسى «جوليان بندا» - «المثقف الضمير»، أو «المثقف النبى».
لم تؤثر معاناته لخمس سنوات فى المعتقل إثر الصدام بين ثورة يوليو وحركة حدتو الماركسية عام (1959) على عمق رؤيته، عندما أدخل المعتقل فى الثانية والعشرين من عمره، كان يدرس القانون فى كلية الحقوق، ويعمل موظفًا بمكتب ترجمة حتى يواصل تعليمه، رأى بعينيه الوقائع المشينة لمقتل المفكر اليسارى شهدى عطية الشافعى تحت الضرب المبرح فى معتقل «أبوزعبل» يوم (17) يونيو (1960)، لأسباب تتعلق بضعف بنيته الجسدية جرى تنحيته على جنب حتى لا تزهق روحه من أول ضربة.
رفض الإدلاء بأقواله أمام سلطات الأمن خشية على حياته، وتحدث بما رأى أمام النيابة العامة بشجاعة، استقرت التجربة فى وجدانه بكل آلامها، غير أنها لم تمنعه من أن يرى عمق التحولات فى مجتمعه ولا تناقضات المشروع الناصرى مع نظامه.
عندما انكسرت مصر فى (5) يونيو (1967) لم يشمت فى آلامها، ولا أخفى ما عاينه بنفسه يوم (9) يونيو إثر إعلان عبدالناصر التنحى من إرادة مقاومة عمت الشوارع، كان الظلام ينتشر بسرعة والناس تجرى فى كل اتجاه وهم يصيحون ويهتفون، ثم أخذوا يشكلون اتجاهًا واحدًا إلى مصر الجديدة، وهم يرددون فى جنون اسم ناصر، وظهرت بعض الأنوار فى المحلات والمنازل ثم دوت أصوات مدافع فوق رءوسنا فساد الظلام من جديد.
روى ما شهده بعينه، فى روايته (1967)، من أحداث ومشاعر انفجار بالبكاء وتشنج وانهيار وخروج بعفوية للشوارع، كان الروائى الشاب فى ذلك الوقت مطاردًا سياسيًا، لم يكن هناك ما يدعوه إلى أن يُضفى على «تمثيلية» مصطنعة طابع الحقيقة المصدقة، إنه شرف المثقف، لماذا تدافع عمن سجنك لخمس سنوات؟ طارده هذا السؤال عبر السنين والعقود مستغربًا دفاعه بحماس بالغ بأى محفل وفى كل وقت عن عبدالناصر، لم يتراجع يومًا، ولا غير أفكاره بيوم آخر، لكنه لم يتح له أن يعبر عن كامل وجهات نظره فى الرجل وعصره، حتى كتب روايته 1970.
النص الروائى أقرب إلى مناجاة طويلة مع رجل رحل قبل أكثر من نصف قرن، يخاطبه كأنه يسمع، يراجع معه مواطن الخلل فى تجربته التى أفضت إلى الانقضاض عليها، ينقده بقسوة أحيانًا ويعاتبه أحيانًا، ولا يخفى محبته وتماهيه مع عذابه الإنسانى فى مرضه الأخير، شأن أغلب رواياته فهو يعتنى بالتسجيل والتوثيق، كأنه يرسم بالأخبار والوقائع يومًا بيوم صورة تلك السنة، أزماتها وتحدياتها والأحوال الثقافية والفنية فيها، تكاليف المعيشة والإعلانات المنشورة، حرب الاستنزاف وشهدائها، المقاومة الفلسطينية والانقضاض عليها فى «أيلول الأسود».
فلسطين حاضرة فى أعماله، بصورة مباشرة، أو فى خلفية الأحداث، العمل الروائى يكتسب قيمته من فنيته وما ينطوى عليه من فلسفة حياة، لا هو موضوع فى التحليل السياسى ولا تأريخ لمرحلة، غير أن التاريخ بصراعاته وتناقضاته مادة ثرية للدراما.
فى واقعتين مدويتين وجد نفسه طرفًا مباشرًا فى الصراع حول أى مصر نريد؟ الأولى، عام (2003) عندما رفض جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائى العربى، التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، كان المشهد مثيرًا، فقد جرى الرفض أثناء الإعلان عن الجائزة، فيما كان يعتقد أن الفائز سوف يلقى كلمة شكر لمانحى الجائزة، أعلن رفضه الحصول عليها مدينا السلطة التى منحتها، كانت تلك رسالة غضب أقرب إلى وثيقة أخيرة قبل إسدال الستار، أسبابه المعلنة كلها سياسية تنطق بما يجيش فى عقول وقلوب المصريين، بعض الذين منحوه الجائزة، هنأوه بالاعتذار عنها، كانت تلك رسالة أخرى عن تصدع نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لم يرفض الجائزة لأنها مصرية، بل لأن وجودنا الإنسانى فى محنة، ووجودنا السياسى كارثة، ووجودنا كوطن وأمة فى خطر، فى ذلك الوقت ترددت تكهنات أنه قد يعتقل، أو يحدث له مكروه، نقل تلك المخاوف وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى إلى الرئيس، الذى أبلغه أن شيئًا من ذلك لن يحدث، كانت تلك إشارة عن قدر من التعقل السياسى لنظام بدأت قوائمه تهتز من تحته.
والثانية، عام (2013) قبل احتجاجات (30) يونيو عندما تصدر مع الروائى الكبير بهاء طاهر اعتصام المثقفين فى مبنى وزارة الثقافة، بقوة إلهام الأدبيين الكبيرين تدفق على مكان الاعتصام فنانون ومبدعون من جميع الأجيال والاتجاهات الوطنية، طلبا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بعده حدث انكفاء المثقفين دون التفات يذكر إلى خطورته على مناعة البلد وقدرته على الإبداع وتجديد قوته الناعمة وبناء تصورات تساعد على تأسيس مشروع ثقافى له طاقة الالتحاق بعصره، عودة الروح إلى الحياة الثقافية، وأدوار المثقفين، ضرورة وجود للبلد فى مواجهة تحدياته وأزماته.
هنا- بالضبط - معنى وقيمة أن يكون بيننا صنع الله إبراهيم، الذى يستحق عن جدارة تاريخ وإبداع دعوات المصريين والعرب كلهم بالشفاء العاجل من محنته الصحية.

 

arabstoday

GMT 07:19 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

سورية الجديدة والآفاق المفتوحة

GMT 07:15 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

مصر والعرب!

GMT 07:10 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

آخر العروض

GMT 07:08 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

إيران والمطالب «الفظيعة»

GMT 07:07 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

غضب غربي نادر على إسرائيل!

GMT 07:06 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

آمال معقودة على انفراجات لم تعد مستحيلة

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

إلى أين تتجه الأمور في ليبيا؟

GMT 07:03 2025 الأربعاء ,21 أيار / مايو

«غيرنيكا»... دعوة من أجل السلام العالمي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صنع الله إبراهيم شرف المثقف صنع الله إبراهيم شرف المثقف



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا

GMT 02:41 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

هذه القصة المُحزنة

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة

GMT 00:46 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 19مايو / أيار 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab