عند المنحى الأخير قبل التهجير

عند المنحى الأخير قبل التهجير!

عند المنحى الأخير قبل التهجير!

 العرب اليوم -

عند المنحى الأخير قبل التهجير

بقلم - عبد الله السناوي

لمرّة جديدة، يُعاود مشروع التهجير القسرى طرح نفسه مُلحًّا وضاغطًا. التهجير هو صُلب حربَى الإبادة والتجويع فى غزة، أو الهدف الأعلى فى نهاية المطاف. «ما يحدث فى غزة مفجع ومؤسف وعار وكارثى». كان ذلك توصيفًا مستجدًّا على لسان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كأنه لم يكن يعرف حجمها الإنسانى المُروِّع، ولا شاهد صورها المأساوية، التى استدعت غضبًا غير مسبوق داخل الرأى العام الغربى.

لماذا لا تأبه إسرائيل بموجات الغضب الشعبى، التى تدمغها بأبشع النعوت، ولا تكترث حكومتها كثيرًا بتحطُّم صورتها أمام العالم؟ الإجابة الوحيدة: إنها مُقتنعة تمامًا بأن الغطاء الأمريكى الاستراتيجى والعسكرى والاقتصادى سوف يُجنبها أية عواقب وخيمة.

مشكلة هذا الاعتقاد أنه يُهمل باستهتار بالغ عمق التفاعلات التى تجرى فى بُنية المجتمعات الغربية، وداخل الولايات المتحدة نفسها.

كان إقدام دولتين أوروبيتين كبيرتين، بريطانيا وفرنسا، على إعلان أنهما سوف يعترفان بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل، إشارة رمزية عميقة إلى حجم الضغوط الشعبية الضاغطة فى البلدين. وبدا فى التحاق كندا والبرتغال بالموقف نفسه، تعبيرٌ عن أوضاع قلق وضيق بالغ فى المجتمعات الأوروبية، وصلت إلى حد الحديث المتواتر عن عقوبات لا بد من طرحها على دولة الاحتلال.

«حان وقت القرار». كان ذلك تلخيصًا ألمانيًّا للوضع المتأزم.

تولّت الولايات المتحدة، بالنيابة عن إسرائيل، مهمّة الردع، لكن موجات الغضب الشعبى الغربى أشد وأعتى من وسائلها، كتهديد كندا بأن تأهُّبها للاعتراف بدولة فلسطين «يُعرقل التوصُّل إلى اتفاق تجارى معها»، أو بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، أقرب إلى النكاية والهزل، مثل منع بعض القيادات من الحصول على تأشيرات دخول!

من الصحيح تمامًا أن التوجُّه للاعتراف بالدولة الفلسطينية يظل معلّقًا على النوايا أكثر من الحقائق، لكن قوّته الرمزية تعنى أن إسرائيل تجد نفسها أمام أزمة مستحكمة فى أوساط الرأى العام الغربى، بدأت تضغط على مراكز صنع القرار كما لم يحدث منذ تأسيسها عام 1948.

إننا أمام سباق على الوقت فى الأمتار الأخيرة. طرف يسعى لاستنقاذ أية فرصة متبقية لـ«حل الدولتين»، وطرف آخر يسعى لإجهاضها نهائيًّا وإلى الأبد. هذا هو صُلب التشابك السياسى والاستراتيجى فى اللحظة الراهنة.

السيناريو الأكثر ترجيحًا إسرائيليًّا: المُضى قُدمًا فى مشروعى الضم التدريجى لقطاع غزة، وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية.

بصياغة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فإن المشروع الأول «حل أخير»، إذا ما تشدّدت حماس فى مفاوضات الدوحة. هكذا تبدو المفاوضات نفسها غطاءً سياسيًّا للتوسُّع فى الأراضى أو فرض السيطرة الأمنية الكاملة، بتعبير وزير دفاعه يسرائيل كاتس.

ضم الضفة الغربية يعنى، بالضبط، نسف أية تسوية سياسية ممكنة، وإلغاء السلطة الفلسطينية التى تأسست بموجب اتفاقية أوسلو. وبنص القرار الذى أصدره الكنيست: «أراضى يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغور الأردن جزء لا يتجزأ من الوطن التاريخى للشعب اليهودى».

بادعاء لا أساس له، اعتبر وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو أن الاعتراف بدولة فلسطينية يُقوِّض مسار التفاوض!

ما مدى واقعية الخطة الإسرائيلية المزدوجة، التى تُفضى بتداعياتها إلى التهجير مرة من غزة إلى سيناء، ومرة ثانية من الضفة الغربية إلى الأردن؟

التهجير الأول ضربة لا تُحتمل للأمن القومى المصرى فى سيناء، قد تدفعها إلى حرب لا تريدها، لكنها ستكون إجبارية. والتهجير الثانى ضربة لوجود الدولة الأردنية كلّها.

المسألة ليست يسيرة بالنظر إلى الأخطار والتداعيات، التى قد تضرّ بفداحة بالاستراتيجيات والمصالح الأمريكية فى المنطقة، لكنها تمضى بنوع من الهوس الأيديولوجى اليمينى الإسرائيلى، والدعم الأمريكى شبه المطلق.

بتعبير وزير المالية الإسرائيلى المتطرف بتسلئيل سموتريتش: «لن تُقام الدولة الفلسطينية أبدًا».

لم يكن صحيحًا، بأى وجه، الادّعاء بأن هذه السياسة المتطرفة فُرضت على نتنياهو، فهو يتبنى التوجهات نفسها. ولا فوجئ ترامب بالأزمة الإنسانية فى غزة، لكن الضغوط تكاثرت عليه من خارج العالم العربى، الذى بدا مستسلمًا لما تقرره مقاديره!

«الوسيلة الأسرع لوضع حد للأزمة الإنسانية فى غزة أن تستسلم حماس وتفرج عن الرهائن». كان ذلك تصريحًا لافتًا لترامب، ينفى أى احتمال جدى للتوصُّل إلى صفقة سياسية بالضغط على حليفه نتنياهو.

فى مراوغة جديدة، اقترح نتنياهو الانتقال من النهج التفاوضى الجزئى والتدريجى إلى العمل على اتفاق نهائى، تُسلِّم بمقتضاه حماس سلاحها وتُفرج عن الأسرى.

معنى الكلام: نسف كل المخرجات والالتزامات المتبادلة، التى جرى التوصل إليها فى الجولات التفاوضية المطوّلة تحت إشراف المبعوث الأمريكى الخاص ستيف ويتكوف.

بالمقابل، اشترطت حماس الذهاب إلى مسار سياسى برعاية أمريكية وعربية، يُنهى الاحتلال، ويُطلِق سراح الأسرى الإسرائيليين، ويُوقِف الحرب على غزة، ويُؤسِّس لدولة فلسطينية مستقلة.

الطرح الإسرائيلى يستهلك الوقت لاختبار الفرص السانحة لتمرير سيناريو التهجير، والطرح الفلسطينى يُقدِّم بديلًا سياسيًّا مغايرًا لصانع القرار الأمريكى، دون أن تكون هناك أية فرصة حقيقية لشىء من الجديّة فى هذا المسار.

أمام حالين متناقضين، توحُّش إسرائيلى وتخاذل عربى، تبدو الولايات المتحدة صاحبة الكلمة الأخيرة.

يصعب، فى مثل هذه الأوضاع والحسابات، إيقاف الهوس الإسرائيلى، الذى وصل إلى حد الحديث عن «محو غزة»، أو هدمها كاملة و«قتل المخربين»، بتعبير إيتمار بن غفير، قاصدًا الفلسطينيين جميعًا، لا المقاومين وحدهم.

بتلخيص هاآرتس: الحرب على غزة أصبحت غطاءً لسياسات الضم والتوسع.

المعنى فى كل ذلك أن مشروع التهجير ماثل الآن أكثر من أى وقت مضى.

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عند المنحى الأخير قبل التهجير عند المنحى الأخير قبل التهجير



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab