بقلم : عبد اللطيف المناوي
أنهى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب زيارته إلى منطقة الخليج العربى، والتى شملت ثلاث دول محورية هى المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. جاءت هذه الزيارة فى وقت تتراكم فيه الأزمات بالشرق الأوسط، وتتزايد التحديات الاقتصادية والأمنية التى تؤثر على شعوب المنطقة بشكل مباشر. ومع ذلك، بدَت أجندة الزيارة، فى ظاهرها، مقصورة على أهداف اقتصادية واستثمارية، غابت عنها تطلعات الشارع العربى المهموم بأزمات ومشكلات يراها أساسية، والذى كان يأمل فى إجابات حاسمة عن قضاياه المصيرية.
خلال لقاءاته الرسمية، ناقش ترامب قضايا تتعلق بتبادل الاستثمارات وتعزيز الشراكات فى مجالات الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا المتقدمة، فى إطار توجه خليجى نحو تنويع مصادر الدخل وبناء اقتصادات المستقبل. وكل هذا مهم بالتأكيد من زاوية تحقيق أهداف الدول فى مستقبل أكثر رفاهة لشعوبها.. كما تطرق، على استحياء، إلى أزمة قطاع غزة، دون إعلان عن مبادرات لوقف الحرب أو خطة جدية لإعادة الإعمار أو ضمان الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين، لكنه عدّل رؤيته لغزة باعتبارها «أرض الحرية» التى يثق بأن مستقبلها تحت الإدارة الأمريكية.
لكن المثير للقلق لم يكن فقط ما نُوقش، بل ما لم يُناقش فى العلن.. إذ غابت تمامًا أى إشارة إلى أزمات حاضرة ومشتعلة فى المنطقة، مثل الأزمة فى اليمن وتداعيات الدور الإيرانى عبر جماعة الحوثى، أو الكارثة الإنسانية والسياسية المتفاقمة فى السودان، والتى أدّت إلى تشريد الملايين. كما لم تُطرح الأزمة الليبية المتفجرة خلال هذه الأيام، ولا الأزمة اللبنانية، التى تعانى من انهيار اقتصادى يهدد بانفجار اجتماعى وشيك.
مع ذلك، هل حقًّا لم تُناقش هذه الملفات، أم أن النقاش تم فى غرف مغلقة بعيدًا عن الإعلام والتصريحات الرسمية؟. إن الغموض حول مضمون المحادثات ذات الطابع السياسى هو ما أثار قلق الشارع العربى، الذى تابع الجولة منتظرًا إجابات عن أسئلة تتعلق بمستقبل الإقليم، ففوجئ بتركيز كبير على الاقتصاد والتكنولوجيا، وتجاهل مريب للأزمات السياسية.
إن هذا الغموض لا يبعث فقط على القلق، بل يغذى الشكوك حول ما إذا كانت هناك ترتيبات تُبحث خلف الكواليس، قد تعيد رسم خريطة لمنطقة يغيب عنها أهل المنطقة. المواطن العربى لم يكن ينتظر من ترامب حلًّا سحريًّا لكل الأزمات، لكنه كان يأمل على الأقل فى اعتراف واضح بوجودها، وفى التزام أخلاقى أو سياسى بالعمل على تسويتها.. لكن ذلك لم يحدث، ما فتح المجال أمام تأويلات متعددة، منها أن ترامب يحاول العودة إلى البيت الأبيض عبر تعزيز تحالفات اقتصادية، متجاهلًا الأبعاد الإنسانية والسياسية للصراعات التى كانت- ولا تزال- من نتائج السياسات الأمريكية المباشرة أو غير المباشرة.
ربما كانت زيارة ترامب إلى الخليج محطة لتعزيز المصالح الاقتصادية، لكنها تجاهلت تساؤلات الشارع العربى إن كان مازال هناك ما يسمى بشارع عربى فى الأساس.