بقلم : عبد اللطيف المناوي
لا يُخفى البيان الختامى الصادر عن القمة العربية الرابعة والثلاثين فى بغداد شيئًا من التكرار المألوف فى صياغات القمم العربية، التى غالبًا ما تتبنى مواقف مبدئية دون التزامات تنفيذية واضحة. ومع ذلك، فإن قراءة متأنية لما خرجت به القمة تكشف عن جوانب تبدو مهمة، خصوصًا فى ظل تصاعد التهديدات والتحديات الإقليمية، وفى مقدمتها ما يتعرض له الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. ولكن أيضا بلا التزامات. من أبرز الرسائل التى يمكن الوقوف عندها هو الإجماع العربى على رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، وهو موقف لا يستهان به فى توقيت بالغ الحساسية، حيث تدفع بعض الأصوات الإسرائيلية المتطرفة والأمريكية كذلك نحو خيار «التهجير» كحل للصراع. ولعل أهمية هذا الإجماع تتجلى فى وضوح الموقف المصرى، خاصة من خلال كلمة الرئيس السيسى، التى كانت حاسمة فى هذا السياق. فقد شددت مصر على رفض تهجير الفلسطينيين وضرورة حل المشكلة الفلسطينية حتى تنعم المنطقة كلها بسلام. إن هذا الموقف المصرى لا يحمل فقط دلالة سياسية، بل يمثل ترجمة فعلية لفكرة أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يمر عبر تجاوز حقوق الفلسطينيين التاريخية، بل لا بد أن يمر عبر بوابة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ومن الإيجابيات التقليدية الأخرى، التى حملها البيان، تأكيده على دعم مبادرة إعادة إعمار غزة التى أطلقتها جامعة الدول العربية بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامى. كما أن الدعم العربى لتحرك فلسطين نحو الحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة يمثل خطوة معنوية مهمة، تعكس رغبة فى تفعيل أدوات القانون الدولى لصالح الفلسطينيين، وإن كانت هذه الخطوة تصطدم كالعادة بجدار «الفيتو» الأمريكى. ورغم ما يمكن اعتباره طابعًا إنشائيًا عامًا للبيان فى بعض جوانبه، إلا أن مواقفه بشأن سوريا ولبنان والسودان واليمن بدت أكثر واقعية من بيانات سابقة. فقد دعا البيان إلى الحوار الوطنى الشامل فى سوريا واحترام خيارات الشعب السورى، وذلك الارتباك الواضح فى المشاركة وحجمها.
البيان أيضًا أبدى دعمًا واضحًا لجهود الحل السلمى فى اليمن، ولمّح إلى تغير فى نبرة التعامل مع السودان عبر التأكيد على تشكيل حكومة مدنية مستقلة، فى وقت يئن فيه هذا البلد من صراعات داخلية باتت تهدد بقاء الدولة ذاتها.
صحيح أن البيانات الختامية للقمم العربية نادرًا ما تكون أدوات للتغيير الملموس، لكن الإصرار الجماعى على تثبيت المبادئ الأساسية – خاصة فيما يتعلق بفلسطين – هو فى حد ذاته فعل مقاومة سياسى. فليس من السهل، فى زمن الانقسامات، أن يخرج من بغداد صوت عربى موحد يرفض التهجير، ويدعو إلى إنهاء الاحتلال. ربما لا ننتظر الكثير من القمم، لكن بعض الكلمات، ككلمة الرئيس السيسى، وبعض المواقف، تظل ضرورية حتى لا يظن الاحتلال أن الصمت هو علامة رضا.
هكذا انتهت القمة برقم مسلسل (٣٤) وفى انتظار الرقم مسلسل (٣٥).