بقلم : عبد اللطيف المناوي
بدت الأسابيع الماضية وكأنها تحمل توترًا مكتومًا بين «ترامب» و«نتنياهو»، خاصة مع تقارير إعلامية عن استياء «واشنطن» من تهديدات «نتنياهو» المتكررة بضرب «إيران» فى وقت كانت فيه الإدارة الأمريكية تجرى محادثات مع «طهران». ولكن، سرعان ما تبددت هذه الانطباعات عندما باغتت «إسرائيل» «إيران» بضربة جوية واسعة، لتأتى تصريحات «ترامب» بعدها مباشرة مهنئة ومشيدة بـ«نجاح الهجوم»، ويتبعها «نتنياهو» برسالة تهنئة حميمية بمناسبة عيد ميلاد «ترامب»، وصفه فيها بأنه «قائد استثنائى، شجاع، وحاسم، وصاحب رؤية».
فهل نحن أمام خلاف حقيقى؟ أم أن ما يحدث أقرب إلى «تقسيم أدوار» مدروس بين رجلين طالما تحالفا بقوة، وتبادلا الهدايا السياسية دائما؟
منذ وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض عام ٢٠١٧، ارتبط اسمه بـ«نتنياهو» فى أكثر من مناسبة كمثال لتحالف سياسى استثنائى، بل وشخصى أحيانًا. ففى عيد ميلاد «ترامب» السبعين عام ٢٠١٩، وجه له «نتنياهو» رسالة مكتوبة بخط اليد يقول فيها: «أنت عظيم!»، مشيدًا بالشراكة التى وصفها بأنها «الأقرب فى تاريخ البلدين». وآخرها تهنئة لـ«ترامب» بعيد ميلاده السبت أمس الأول، مرفقة بنتائج القصف الإسرائيلى على «إيران» كهدية.
رغم هذا الدفء، تداولت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية تقارير عن «فتور» أو «تباين» فى وجهات النظر بين الرجلين خلال الفترة الماضية. أبرز نقاط الخلاف كانت حول «إيران»: فبينما كان «نتنياهو» يدفع نحو التصعيد العسكرى، كانت «واشنطن» تحت إدارة «ترامب» الجديدة تُجرى محادثات سرية لإعادة ضبط العلاقة مع «طهران»، مع شروط قاسية لكنها تفاوضية. لفهم عمق العلاقة بين «ترامب» و«نتنياهو»، تكفى العودة إلى ما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بـ«قائمة الهدايا الطويلة» التى قدمها «ترامب» لـ«إسرائيل» خلال ولايته الأولى. نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى «القدس»، والاعتراف بها عاصمة موحدة لـ«إسرائيل»، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، لـ«وكالة الأونروا»، والمستشفيات فى «القدس الشرقية»، وإغلاق مكتب «منظمة التحرير» فى «واشنطن»، دعم علنى لفكرة ضم أجزاء من المستوطنات.
«ترامب» و«نتنياهو» يتشاركان هدفًا استراتيجيًا طويل الأمد: عزل «إيران» وتقويض نفوذها فى الإقليم. وقد تحولت هذه الرؤية إلى تحالف أمنى وسياسى نادر بين الرجلين.
وبالتالى، فإن أى تباين فى التوقيت أو التكتيك لا يمكن قراءته على أنه خلاف جوهرى، بل قد يكون أقرب إلى توزيع أدوار: «نتنياهو» يضغط ويهدد ويوجه الضربات، و«ترامب» يوازن ويُشيد ويوجه رسائل للداخل والخارج بأنه ما زال الزعيم الحازم لـ«إسرائيل». قد يكون هناك خلاف فى الأسلوب أو الإيقاع بينهما، لكن من الصعب الجزم بوجود خلاف حقيقى أو جذرى فى الأهداف أو الرؤية. بل على العكس، العلاقة بينهما تستند إلى تحالف استراتيجى متين، يقوم على تشارك المصالح وتبادل الأدوار لا الصدام. ومثل كثير من العلاقات السياسية، قد تكون «التناقضات المعلنة» مجرد ستار لحقيقة أكثر تماسكا خلف الكواليس.