بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى لحظة ما، كل شىء يمكن أن ينقلب رأسًا على عقب. قد يكون الانهيار فجائيًا، كما يحدث فى الأزمات القلبية، أو بطيئًا ومتراكمًا حتى نصل إلى نقطة اللاعودة. هذا التشبيه الطبى، وإن كان بعيدًا فى ظاهره، يعكس بدقة جوهر «الأزمة» كما يفهمها المتخصصون فى الإدارة والإعلام. فالأزمة لا تأتى ببطء، بل تفاجئ، وتربك، وتضغط، وتكشف هشاشة ما نظنه أحيانًا مستقرًا.
تُختبر المجتمعات الحيّة فى لحظات التوتر والاضطراب، حيث تبرز الأزمات بوصفها مفاصل حاسمة فى مسار الدول والمؤسسات. ومع كل أزمة – سواء كانت حادث طريق أو حريقًا أو أمطارًا غزيرة أو حتى انسحاب فريق كرة قدم من مباراة – يتقدم الإعلام إلى خط المواجهة الأول، لا بوصفه ناقلًا للحدث فقط، بل كجزء أصيل من أدوات إدارة الأزمة واحتوائها.
قد تبدو الكلمة أو الصورة أو الصوت أضعف من الحدث ذاته، لكنها فى لحظة الأزمة تصبح قوية، فالإعلام لا يكتفى بشرح ما جرى، بل يشارك فى توجيه الانفعالات، وترتيب الأولويات، وتحديد بوصلة الفهم العام.. ولذلك، فإن الطريقة التى يتعامل بها الإعلام مع الأزمات قد تُحدث فارقًا هائلًا بين تدهور الوضع أو استقراره، بين الفوضى أو القدرة على السيطرة.
من المهم أن ندرك أن الأزمة بطبيعتها لحظة استثنائية. إنها تحدٍ للزمن والعقل، حيث تتسارع الأحداث، وتضيق الخيارات، وتُشل القدرة على التأنى.. ولهذا السبب تحديدًا، لا يمكن أن يكون أداء الإعلام فى هذه اللحظة عشوائيًا أو مرتجلًا، بل يجب أن يكون ناتجًا عن خطة مدروسة، ووعى تراكمى، وفهم دقيق لطبيعة الجمهور، ولما يحتاج إليه من معلومات وسياقات.
فى مراحل ما قبل الأزمة، يقوم الإعلام بدور توعوى لا غنى عنه. فكل معلومة موثوقة تُنشر، وكل محتوى إرشادى يُبث، يمثل رصيدًا وطنيًا يتم اللجوء إليه لاحقًا عند الحاجة. أما حين تندلع الأزمة فعلًا، فإن سرعة التفاعل، ودقة البيانات، وهدوء اللغة ورصانتها، كلّها عناصر تُحسب للإعلام، وتجعله طرفًا مساهمًا فى الحل لا فى التعقيد.
فى هذه اللحظة، يُطلب من الإعلام أن يكون حاضرًا، صادقًا، متزنًا، لا يلهث وراء العناوين المدوية، ولا يستدرج إلى منطق الإثارة أو التهويل.. عليه أن يُطمئن دون تزييف، وأن يشرح دون مبالغة، وأن يفتح المجال للخبراء والمعنيين الحقيقيين بأن يتحدثوا بلغة يفهمها الناس ويثقون بها.
إذا كنا قد عرضنا ملامح الدور الإعلامى فى خضم الأزمة، فإن ما بعد العاصفة لا يقل أهمية. لهذا لابد من فتح ملف المرحلة التى تلى الأزمة مباشرة وطرح أسئلة منها: كيف يعيد الإعلام بناء الثقة؟ كيف يستعيد الجمهور توازنه؟ وكيف يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة للتعلم والنهوض من جديد؟.
ولكن لكل هذا حديث آخر.