اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة

اليوم العالمى للقانون... العدلُ ماءُ الحياة

اليوم العالمى للقانون... العدلُ ماءُ الحياة

 العرب اليوم -

اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة

بقلم : فاطمة ناعوت

العدل. ما سبق ليس «كلمة»، بل جملةٌ مفيدة مكتملة الأركان؛ لأنها تُلخص فلسفة الحياة. فى أسمائه الحسنى، تفرّد الله باسم «العدل»، لا «العادل» ولا «العدول»، على نسق بقية الأسماء التى جاءت على وزن: فاعل- فعول- فعيل- فعّال- مِفعال. فقط «العدل»، «السلام»، «الحق» وردت على صورة «الجوهر» لا «الصفة»؛ لكى تبثُّ لنا رسالة بأن تلك الأسماء بالذات كياناتٌ ربوبية عُليا ومطلقة، لا مجرد صفاتٍ نسبية. وكأنما أراد اللهُ أن يعلّمنا أنّ «العدل» ليس فعلًا يُمارَس، بل جوهرٌ يُستَمدّ منه كل فعل، ومِظلّة إلهية أسدلها الُله على الكون كى يحيا فى محبة وسلام. ولهذا قال تعالى فى الحديث القدسى: «يا عبادى، إنى حرّمتُ الظلمَ على نفسى وجعلتُه بينكم مُحرّمًا، فلا تظالموا». وهذا شىء مدهش ومخيف، أن يُحرِّم الخالقُ أمرًا على نفسه قبل أن يحرّمه على عباده، ليعلّمهم هولَ الظلم وحتمية العدل، باعتباره ميثاقًا سماويًا حاسمًا، لا مفاوضة فيه. لهذا اجتهد البشرُ فى صكِّ «القانون»، الذى يحمى «العدل» ويُزيح شبحَ «الظلم» الأسود من مشهد البشرية. كان هذا ملخص كلمتى التى ألقيتُها بالأمس فى الاحتفال بـ«اليوم العالمى للقانون» الذى أقامته «المؤسسة العربية للسلام والتنمية»، بالشراكة مع «المحكمة العربية للتحكيم ومجلس الوحدة الاقتصادية».

لهذا أتقدّم بجزيل الاحترام لمعالى المستشار «كمال خليفة عبد الرحمن»، رئيس مجلس أمناء «المؤسسة العربية للسلام والتنمية» الذى جعل من يوم ١٣ سبتمبر طقسًا سنويًا بهيجًا يجمعنا فيه على شرف رجالات القانون والعدالة من مصر ومختلف دول الوطن العربى، لنتذكر فيه أن «العدل» هو مظلة الرحمة التى تحقق السلام للبشر، وأن «القانون» هو الصخرة التى تحمى كرامة الإنسان وتعلو به إلى المكانة الراقية التى رسمها الله له.

وحين ننطق كلمةَ «القانون» لابد أن تُذكر «مصرَ»؛ لأنها اليدُ الأولى التى كتبت «الضمير» فى دستور التاريخ، وصكّت أبجديات القانون فى غبش الحضارات. ويظلُّ «قانونُ ماعت» أعرقَ وأرقى ما ابتكر الإنسانُ من قيم أخلاقية؛ لا تنظّمُ أسسَ العَيش الكريم بين الناس وحسب، بل تُهذِّب الإنسانَ وتجعل منه كائنًا راقيًا مُستحقًا للحياة. تصوّروا قانونًا يُجرِّمُ التسبّب فى دموع إنسان! تصوّروا قانونًا يُجرّمُ تعذيبَ الحيوان، بل يُجرّم تعذيب النبات بحرمانه من الماء؟! وحده القانونُ المصرى الذى استهلَّ موادَّه بالقيم العليا للأخلاق: «لا تقتل، لا تكذب، لا تسرق، لا تظلم....»، ثم جاءت مستوياتُ التهذيب الأرقى فى العطاء: »كنتُ عينًا للأعمى، كنتُ ساقًا للكسيح، كنتُ يدًا للمشلول، كنتُ أبًا لليتيم...« بل كان القانونُ المصرى القديم أولَ من حضَّ على النظافة: “لم ألوّثْ مياهَ النهر»، وغير ذلك من فرائد الأخلاق والتحضُّر وردت فى بنود قانون «ماعت» المصرى التى بلغ عددُها ٨٤ بندًا؛ نصفُها اعترافاتٌ ثبوتية: »كنتُ - فعلتُ«، ونصفُها الآخر ٤٢ اعترافًا إنكاريًّا: «لم أكن، لم أفعل».

كانت الكلمات التى أُلقيت فى حفل أمس الأول بمثابة مرايا نُطلّ منها على أنفسنا. تحدث البعض عن تحديات الإرهاب، وعن الدم المسفوك فى غزة وفى بقاع أخرى، وكيف يجب أن يتحول الألم إلى قضية أمام محكمة التاريخ. وأتذكّر هنا كلمة المستشار «أحمد الزند» العام الماضى فى نفس هذا اليوم إذ قال إن الكيان الصهيونى هو «هولاكو العصر» الذى يقتل المدنيين ويتفنن فى ترويع الأطفال والنساء بشهيّة جائعة للدماء، وبدعم كامل من أمريكا التى تمدهم بالماء والسلاح والتكنولوجيا، ولا أحد يحاسبهم!

نحتفل كل عام بعيد القانون، لا كتقليدٍ دولى فحسب، بل كعهدٍ وطنيّ يعيدنا إلى جذورنا ويعيدنا إلى روح الله «العدل» الذى حرّم الظلمَ على قُدسه، وعلينا نحن البشر لكى تتنفس ضمائرنا. فالعدل، ليس مادةً فى كتاب القانون، بل هواءٌ فى صدور البشر، وماءٌ فى حياتهم.

ولا يمكن أن أكتب مقالا عن «القانون» دون أن أتذكر جدى العظيم المستشار «محمود عاصم» مؤسس مجلة «دنيا القانون»، وصاحب كتاب «أشهر قضايا التاريخ... لأعلام القانون فى الشرق والغرب» الصادر عام ١٩٦٦، وكتاب «المرافعات فى أشهر القضايا الجنائية» وغيرهما من الكتب الخوالد. فى طفولتى، كنتُ أتأملُ روبَه الأسودَ المهيب، مُزيّنًا بأوسمة الشرف، مُعلّقًا على عمود الشماعة فى غرفة مكتبه فى حى باب اللوق، فتغمرُنى حالٌ من الشعور بالإجلال والمهابة، إذ أوقن أن رجال القانون مجبولون من طينة نقية. فهم حملةُ لواء «الحق»؛ واللهُ هو «الحق»، وهم سدنة باب «العدل»؛ واللهُ تعالى هو «العدل». رحم الله جدى الغالى، وبارك فى كل قاض عادل ينصرُ المظلومَ ويردُّ الظالمَ عن ظلمه. وتحية احترام للقانون فى عيده

arabstoday

GMT 07:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

سيرة المؤشر

GMT 07:22 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ضجر العالم من الواحدية الأميركية؟

GMT 07:20 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ينهي هجوم الدوحة علاقة الخليج بواشنطن؟

GMT 07:19 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

عن ثنائية نزع السلاح ومنطلق الإصلاح

GMT 07:17 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف»

GMT 07:16 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على 11 سبتمبر: تشظيات الإرهاب وتحوّلاته

GMT 07:14 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

من رد الفعل إلى الردع

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

التبرير الفكري للاحتلال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة



هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:47 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تعلن طلب مسؤولين بحماس مغادرة غزة

GMT 01:56 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

شأن ما جرى في قطر!

GMT 12:17 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

هل يمكن العودة للسلام؟

GMT 03:52 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

جيش الاحتلال يعتقل شابًا سوريًا بريف القنيطرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab