«أولاد» الدكتورة «سهير»

«أولاد» الدكتورة «سهير»

«أولاد» الدكتورة «سهير»

 العرب اليوم -

«أولاد» الدكتورة «سهير»

بقلم: فاطمة ناعوت

الدكتورة «سهير عبد القادر»، أو «ماما سوسو» كما يناديها الأولاد والبنات، ليست وحسب أمًّا لابنتين جميلتين آمنتا بحُلمها وشاركتاها فى صناعة الجمال، بل هى بالحق أمٌّ لجميع أبناء مصر والوطن العربى والعالم من ذوى الهمم، عبر مؤسسة «أولادنا»: الحاضنة الإبداعية لذوى القدرات الخاصة. أسست «ماما سوسو» تلك الحاضنة عام ٢٠١٦، انطلاقًا من إيمانها بأن الفن هو اللغة الكونية التى يفهمها الجميع مهما اختلفت الألسن، والجسر الأسرع لدمج ذوى القدرات الخاصة فى المجتمع. وأطلقت المؤسسةُ «ملتقى أولادنا» الذى تخطّى كونه مهرجانًا مصريًّا لرعاية الموهوبين، ليغدو جسرًا إنسانيًا يغطى أرجاء العالم.

تحررت «ماما سوسو» من رتبتها كرئيسة مؤسسة أو مديرة مهرجان، واختارت المرتبة الأصعب: «الأمومة» بأغصانها الثلاثة: الحنو- الحزم- الرؤية. تدقِّقُ فى كل تفصيلة فى البرنامج الذى يمتدُّ أسبوعًا من الفرح والألوان، تحنو على دموع التعثّر فى البروفات، لتغدو دموع نجاح على خشبة المسرح. تراها تنحنى لتعدل بدلة طفل، وترتّبُ ضفيرة فتاة، وتُنصِت إلى قلق أمٍّ وهى تربّت على كتفها مطمئنةً بأن الغد أجمل. وحين تعلو أصواتُنا بآيات الشكر لكل ما تصنع من معجزات، تشيرُ بإصبعها نحو السماء ناسبةً الفضلَ كلَّه لله، الحانى الأعظم على الواهنين والضعفاء.

اليومَ ختامُ الدورة التاسعة من «ملتقى أولادنا» الذى اختار عنوان «لوّنها بالفرحة»، تحت رعاية الرئيس «عبد الفتاح السيسى» وقرينته السيدة «انتصار» اللذين آمنا بحقوق ذوى الهمم منذ اليوم الأول فى الحكم، فوجّه الرئيسُ مؤسسات الدولة ووزاراتها لدعم الملتقى الدولى الذى شارك فيه هذا العام موهوبون من ٥٣ دولة من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب مصر والدول العربية. وعلى مدى الأيام السبعة الماضية، كان المشهدُ أشبه بحديقة كونية تتفتح فيها المواهب: طفلٌ مصرى يعزف إلى جوار فتاة من الكاميرون، رسامة عربية تعرض لوحاتها جوار رسام من بولندا. لم يعد ذوو الهمم «أولاد مصر» فقط، بل صاروا أولاد العالم، بفضل إصرار سيدة راقية آمنت بحلمها وأصرَّت على تحقيقه بكل ما تملك من جهد وصحة ووقت ومال، لتثبتَ بالفعل لا بالكلام أن الفن الرفيع لغةٌ لا تحتاج إلى ترجمان، بل إلى إيمان ورعاية وعمل وجدية.

حُلمُها الذى أشرق للنور فى «أولادنا» تجاوز كونه «مؤسسة رعاية»؛ ليغدو حضنًا واسعًا يضمُّ قلوبًا صغيرة وطاقات كبيرة، وفردوسًا أرضيًّا أثبت أن الإبداع لا يعرف عوائق الجسد ولا قيود الإعاقة. وعامًا بعد عام يزدادُ الحلمُ رسوخًا وإشعاعًا؛ ليرتسم اليومَ هذا المشهدُ المهيب الذى أشرق على الشاشات والفضائيات: أطفال وشباب من ذوى الهمم من جميع أنحاء العالم يملأون الخشبات والفضاءات بغنائهم وعزفهم ورقصاتهم ولوحاتهم وأشغالهم اليدوية، ليعلنوا للعالم أنهم ليسوا «مُستضعفين» بل أصحابُ مواهب ورسالة.

قبل سنوات، جاءتها أمهاتٌ يحملن على أذرعهن أطفالا طالتهم إعاقاتٌ جسدية أو ذهنية، وفى عيونهن دموعُ القلق على المستقبل، فاستقبلتهن ابتسامةُ «ماما سوسو» تفيضُ بالأمل والثقة بأن الله سوف يرسم لأولئك الملائكة غدًا مشرقًا بقدر الإيمان بقدراتهم وبقدر ما يُبذَل من عمل وتدريب. أولئك الأطفالُ صاروا اليوم شبابًا مشرقًا يُفرح القلب، منهم عازفون ورسامون ومطربون وأبطالٌ رياضيون. حبُّها لهم ليس شعارًا؛ بل فعلٌ يومى وتعبٌ، يثمر فى كل عمل مسرحى، فى كل لوحة فنية، فى كل رقصة تتحدى الصمتَ والعجز. وهنا يكمن سرّ نجاح «أولادنا»: أنه ليس مشروعًا مؤسسيًا باردًا، بل عائلة حقيقية دافئة.

«ملتقى أولادنا» ليس مهرجانًا للفنون، بل إعلانُ مقاومة ضد أى محاولة لتهميش لذوى الهمم. فالرسم والموسيقى والرقص والتمثيل ليست «أنشطة» يؤديها أبناؤنا بل أدواتُ تعبير لإعادة الاعتبار، من أجل تشييد مجتمع لا ينظر إلى ذوى الهمم بعين الشفقة، بل بعين الشريك المبدع الجدير بالتوقير والاحترام.

حين نرى «أولادنا»، ندرك أن الحلم العصىّ صار واقعًا بفضل سيدة رقيقة وصلبة فى آن، لم تمنح «أولادها» منصاتٍ للفنون، بل جناحين للتحليق، لتعلمنا أن الإنسانية لا تُقاس إلا بحجم ما نهبُه من حبّ وعطاء.

ولم يكن لهذا الحُلم أن يترسخ لولا دعم رئيس لم يتعامل مع «ذوى القدرات» كملفٍّ هامشى، بل كأولوية إنسانية ووطنية، انطلاقًا من إيمان راسخ بدورهم فى بناء المستقبل. وأثمر هذا الدعم الرئاسى فى تغيير نظرة المجتمع إلى ذوى الهمم وفتح أبواب دمجهم فى الفضاء العام واحتضان مواهبهم على المنصات الكبرى.

مازالت «ماما سوسو» تحلم بدعم الدولة المصرية لها لتشييد مكان يضمُّ «أولادنا» بعد رحيل أمهاتهم. وأحلمُ معها باعتبارى أمًّا لشاب جميل متوحّد لا أعرف ماذا سيحدث له بعد رحيلى. نحلمُ بيد حانية ترعى نجلى «عمر» وأصدقاءه من ذوى القدرات الخاصة بعد رحيلنا. شكرًا لك أيتها العظيمة.

arabstoday

GMT 15:43 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

ثانكيو

GMT 15:42 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

هل الطاقة الخضراء خدعة؟ ترمب يجيب

GMT 15:41 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

لماذا يحتاج السودان إلى نظام رئاسي؟

GMT 15:41 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

«المنطقة الاقتصادية» لتثبيت المنطقة العازلة!

GMT 15:40 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

كنوز الفراعنة أسفل عين شمس

GMT 15:39 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

المسؤولية الأخلاقية تطارد أوروبا

GMT 15:38 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

الدبلوماسية الأفريقية وفرصة الحل في ليبيا

GMT 15:38 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أولاد» الدكتورة «سهير» «أولاد» الدكتورة «سهير»



الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - العرب اليوم

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

ترويض إسرائيل؟!

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

1947 و1947 المقلوبة...

GMT 20:58 2025 الإثنين ,22 أيلول / سبتمبر

أطعمة تعزز المزاج والسعادة بعد سن الخمسين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab