مصرُ التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

مصرُ... التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

مصرُ... التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

 العرب اليوم -

مصرُ التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

فاطمة ناعوت

يغمرنى شعورٌ قوى بأن الملك رمسيس الثانى حين قال عبارته الخالدة: «هى التى من أجلها تشرق الشمس» لزوجته الملكة الجميلة «نفرتارى»، رمز الحب والأنوثة والوفاء فى التاريخ المصرى القديم، لحظةَ تشييد معبدها العظيم فى أبو سمبل، موجِّهًا واجهته صوب الشروق، أنه قد استعار تلك العبارة من «التاريخ» حين قالها مغازلا صانعتَه: «مصرُ التى من أجلها تشرق الشمس».

فى حضرة التاريخ الذى لا يشيخ، اصطفَّت الأهراماتُ كأنها أعمدةُ المعبد الأخير، فى حفل أشبه ببعثٍ فرعونىٍّ حديثٍ، تماهى فيه الضوءُ بالظل، والعزفُ بالدهشة، والقِدَم بالحداثة، والأصالة بالرقى، فتحت مصرُ قلبها للعالم لتستقبل ملوكه وزعماءه ليشهدوا هذا الحدث التاريخى الجلل: افتتاح المتحف المصرى الكبير Grand Egyptian Museum. وعند بوابة الحضارة المشرعة على الأبد، وقفت القاهرة فى أبهى أثوابها، عروسًا مشرقة يزفّها التاريخُ إلى الغدّ، ليقول العالم مرة أخرى: هذه هى مصر التى أشرقتِ الشمسُ على أعتابها كى تدوّن دفتر الحضارة.

لم يكن الافتتاح حدثًا ثقافيًّا بروتوكوليًّا اعتياديًّا، بل فعلَ تأكيدٍ على أن المصرى حين يضع حجرًا، يزرع معه فكرة، وحين يغرس فكرة، يُكتب لها الخلود. بدا الحفل مثل قصيدةٍ موسيقيةٍ ضخمة: أزياء فرعونية تتهادى على أنغام الأوركسترا، أضواءٌ تتراقص فوق الواجهة الزجاجية، وجمهورٌ من القارات الخمس يشهد أن الحضارة لا تُستورد بل تُستعاد.

أشرق المتحفُ الذى طال انتظاره عقودًا وسنواتٍ. صبرنا عليه كما يصبرُ الفنانُ على لوحته الأخلد، والموسيقىُّ على سيمفونيته الأشهر، والشاعرُ على ميلاد قصيدته العمدة، وكما يصبرُ الفلاح على إشراق التمر على هامة نخلة استغرق غرسها وريّها سنواتٍ طوالا. أخيرًا نهض المتحفُ الكبيرُ أمام الأهرامات، لا كظلٍّ لها، بل كصوتٍ آخر من أصواتها الخالدة.

المتحفُ الكبير ليس مبنىً شاسعًا يضم مئات الآلاف من خوالد أجدادنا، بل سيرةٌ معمارية لكبرياء الإنسان الذى قرأ الزمن، وقرّر أن يكتبه من جديد بالحجر المثقف والنور.

تقدَّم الرئيس المصرى «عبد الفتاح السيسى»، لا ليعلن عن افتتاح متحفٍ عظيم فحسب، بل عن لحظةٍ فارقةٍ فى مُدونة الوعى المصرى، عن رسالة مصرية للعالم تقول إن الماضى ليس ما مضى، بل ما يستمر فى الحاضر خالدًا لا يموت. هذا وطنٌ عظيم يُعيد تشكيل ذاكرته بصوتٍ حديث يقول للعالم: ما زال القلب ينبض، وما زال الحلم يكافح ليغادر أرضه ويتحقق فى واقعنا جمالا يسُرُّ الناظرين.

حين ارتفعت الأنغامُ فى ساحة المتحف، كان الأجداد يصغون من وراء الرمال، راضين على أحفادهم الذين بجّلوهم وجمعوا خوالدهم؛ لأنهم أدركوا أن الفنّ ليس رفاهية، بل وطنٌ حقيقيٌّ يقيم فيه الجمال.

لم يُشيد المتحفُ ليُنافس الأهرامات، بل ليحاكيها. واجهةٌ من زجاجٍ مغزول بالضوء، أروقةٌ واسعةٌ كصدر وطن، وأحجارٌ صموت، لكنها تتكلم لغة لا يفهمها إلا من أحبّ هذه الأرض. صمّم المعمارىُّ المتحفَ داخل مثلثٍ هندسىٍّ ضخم يحاكى شكل الأهرامات فى النسب والزوايا، بحيث تصطف محاوره البصرية الثلاثة مباشرةً مع أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع. فلسفته المعمارية أن يكون المتحف امتدادًا بصريًّا وزمنيًّا للحضارة المصرية كما رسمها الأجداد. يدخل الزائرُ من الساحة، ثم يصعد عبر الدَّرَج العظيم الذى تصطفُّ على جانبيه تماثيلُ الملوك بترتيبٍ زمنىٍّ متدرّج. كل خطوة هى انتقالٌ زمنى إلى أعماق التاريخ. وفى القمة، ينفتح المشهدُ على الأهرامات، لحظة التوحّد بين العمارة الجديدة والماضى الخالد. هنا لم يَبنِ المعمارىُّ الذكىُّ جدرانًا، بل بنى فكرةً تقول إن مصر بوسعها جمع القديم والحديث فى سطرٍ واحد من كتاب الزمن. وراء كل تمثالٍ فى المتحف قصة ومعرفة وكفاح، ووراء المشروع كله حكايةُ شعبٍ عنيد لا يتخلّى عن الأمل ولا يتنازل عن تحقيقه. من وزير فنان حَلُم بالفكرة، إلى رئيس واع رحّب بها، إلى معمارى أبدع فى تصميمه، وآخر سهر على القياسات، إلى عاملٍ حمل الأحجار، إلى فنانٍ صمّم الإضاءة، إلى مؤرخ رتّب الكنوز فى مواضعها التاريخية، جميعهم كتبوا هذا الفصل الجديد فى ملحمةٍ عنوانها «مصرُ التى من أجلها أشرقت الشمس».

المتحف لا يكتفى بعرض الآثار العظيمة، بل يُعيد تقديم مصر كفكرة فلسفية: بلدٌ يقرأ الزمنَ لا يحفظه فقط. العمارة هنا وسيلة لإحياء العلاقة بين الإنسان والزمن والمكان، بحيث تجعل الزائر جزءًا من السرد الحضارى لا متفرجًا عليه. هذه هى الفلسفة المعمارية للمتحف التى تجعله جسرًا بين زمنين ومنطقة عبور بين الماضى والحاضر.

المتحف الكبير وعدٌ بمستقبلٍ ثقافىٍّ وسياحىٍّ يليق بمصر، ودعوةٌ لأن نُعيد تعريف علاقتنا بالتراث لا بوصفه ماضيًا منسيًّا، بل طاقةً روحيةً تُغذّى وعينا الحديث بأمجاد الأجداد.

arabstoday

GMT 13:52 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 13:47 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 13:45 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 13:44 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 13:42 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 13:41 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هل ينجح ترمب في إنقاذ إسرائيل من نفسها؟

GMT 13:37 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

GMT 13:36 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هدية «أم الدنيا» لكل الدنيا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصرُ التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ مصرُ التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ



شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
 العرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 18:09 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بابا الفاتيكان يجدد دعوته لوقف إطلاق النار في السودان

GMT 02:58 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران تواجه خطر نفاد مياه الشرب بسبب "جفاف تاريخي"

GMT 03:04 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعتزم إعادة قطعة أثرية عمرها 3500 عام إلى مصر

GMT 17:38 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيباني يؤكد التزام بلاده بتعزيز السلم الأهلي

GMT 02:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعيد التهديد بالتدخل العسكري ضد نيجيريا برًا أو جوًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab