حين تتكلم مصرُ تصمتُ المدافع

حين تتكلم مصرُ.. تصمتُ المدافع

حين تتكلم مصرُ.. تصمتُ المدافع

 العرب اليوم -

حين تتكلم مصرُ تصمتُ المدافع

بقلم : فاطمة ناعوت

حين تواجه فوهةُ البندقية وجهَ الطفولة، تكون الحربُ قد اخترقت جُدرَ المنطق وقفزت على جميع الخطوط الحمراء، ويكون الظالمون قد جاوزوا مدى المدى، كما قال الشاعر «على محمود طه» منذ حرب فلسطين الأولى عام ٤٨. على مدى العامين الماضيين ظلّت الرصاصات تحوّم فى سماء غزة فوق رؤوس الأبرياء، دون رجاء فى انتهاء. ومع كلّ قذيفة سقطت هناك، سقطت قطعةٌ من ضمير العالم، ومن وعينا بإنسانيّتنا، نحن الذين اعتدنا مشاهدة الخراب كأنّه مشهدٌ من «مسرح العبث» الذى لا يُحاكمه النقّاد لأن قانونه هو اللامعقول. وحين صار الصمتُ أعلى صوتًا من صوت الرصاص، خرج «صوت مصر» من بين ركام السياسة ليقول كلمته الواضحة: كفى.

من غير الممكن وصف فرحة المصريين بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس الذى تم فى شرم الشيخ قبل أيام، بمشاركةٍ فاعلة من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا، تحت رعايةٍ دوليةٍ دقيقةٍ أعادت إلى المنطقة شيئًا من اتزانها المفقود، وأكدت أن «شرم الشيخ» مدينة السلام ومنصة العقل فى زمنٍ الحروب.

نداء الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بوقف إطلاق النار على غزة لم يكن خطابًا دبلوماسيا بل نداءً وجوديًّا إلى عالم أنهكه العنف والدم. صوته كان صوت وطنٍ يشعر بوجع غزة وخزًا فى قلبه. قالها بوضوح أمام العالم: «مصر لن تسمح بإبادة جماعية لشعبٍ أعزل.

منذ اللحظة الأولى، لم تقف القاهرة فى مقعد المشاهد المتألم، بل فى خندق الإنسان المسؤول. أدارت المعابر، وفتحت المستشفيات، وأرسلت القوافل الطبية ووقفت حائطًا صدًّا ضد تهجير شعب من أرضه. وظلّ «السيسى» يكرّر فى خطاباته أنّ الحلّ ليس فى التسويات الجزئية ولا فى التهدئات الهشّة، ولا فى تهجير يفرّغ الوطن من شعبه والقضية من مضمونها، بل فى وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وحل الدولتين، ليستعيد الفلسطينيون حقّهم الطبيعى فى الحياة الآمنة. لم يستخدم لغة المجاملة السياسية، بل لغة الأب الغضوب الذى يرى أبناءه يتساقطون. لغة القوى الذى يقول كلمة الحق فى وجه الظالم. قال: «كفى خرابًا وتشويهًا لوجه الإنسانية. هذه ليست حربًا على الإرهاب، بل حربٌ على الوجود الإنسانى ذاته». وكان صوته صادقًا بما يكفى ليتردد صداه فى كلّ قاعة مغلقة.

قوة مصر وثِقلها العالمى لا تأتى من بسالة جيشها العظيم وحسب، بل من حكمتها التى يثبتها التاريخُ عصرًا بعد عصر، ومن قدرتها على جمع الفرقاء حول طاولة واحدة فى أحلك اللحظات ظلمةً. فى لحظة يتكلم فيها الجميع بلغة التهديد الحنجورى، يعلو صوت القاهرة الهادئ؛ لأنها تتحدث بلغة الضمير ولغة الحق والشرف. لم ترفع القاهرةُ صوتها، بل علّمت العالم كيف يرفع سقفَ إنسانيته.

واليوم، فى تطوّرٍ يعكس إصرار القاهرة على تثبيت السلام، لا الفرح به كهدنة، أشار الرئيس «السيسى» إلى ضرورة نشر قوات دولية فى قطاع غزة لضمان وقف إطلاق النار ومنع تجدد الصراع، فى خطوةٍ تُترجم الموقف الأخلاقى إلى رؤيةٍ عملية تُحمّل المجتمعَ الدولى مسؤوليته تجاه المدنيين. هى ليست دعوة إلى عسكرة جديدة، بل إلى حمايةٍ أممية تُنقذ الأرواح من دوّامة الانتقام.

ولكى نصل إلى هذا المشهد التاريخى الذى طيّب قلوبنها نحن المصريين على أشقائنا فى غزة، وجعلنا نفخر بمصريتنا، كانت الدبلوماسية المصرية، ووزير الخارجية العظيم د. «بدر عبد العاطى» لا يتوقف عن العمل والحراك فى خطوطٍ متوازية مع جهود الرئاسة، يحمل رسائل القاهرة إلى العواصم الكبرى، وينسّق مع القوى الإقليمية لتثبيت الاتفاق. لم يكن ضيفًا على الأزمة، بل شريكًا فى هندسة ترسيخ السلام، يسعى لوقف النار فى وثيقة قابلة للحياة لا للاستهلاك الإعلامى. بفضل هذا الجهد المزدوج، صوت القيادة المصرية وحنكة الدبلوماسية، تشكّل الخيط الأول لوقف الحرب الذى تحوّل من فكرة إلى مفاوضة، ومن مفاوضة إلى التزام.

لم تكن المهمة سهلة. فكل هدنة تُعلن تُنسف فى اليوم التالى، وكلّ اتفاقٍ يُكتب بالمداد يُمحى بالدم. لكنّ القاهرة لم تتراجع. بقيت تبنى من تحت الرماد جسورًا بين الشمال والجنوب، بين الفصائل والضمير العالمى. وحين أعلن «السيسى» أن مصر ستواصل جهودها «مهما كانت العقبات»، لم يكن يتحدث بلغة السياسة وحسب، بل بلغة الواجب الحضارى الذى تعلّمه من ريادة مصر الحضارية منذ آلاف السنين: أن تحمى ما تبقّى من الإنسان داخل هذا العالم الذى ينسى إنسانيته.

اليوم، حين تُذكر لحظة وقف إطلاق النار على غزة، يُذكر اسم مصر. لا لأنها ربحت جولةً دبلوماسية، بل لأنها أنقذت ما تبقّى من المعنى فى عصر العنف واللامعنى. القاهرة لم تُطفئ الحرب وحدها، لكنها كانت أول وآخر من تمسّك بغصن الأمل، قبل أن يحترق الكوكب بأسره.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين تتكلم مصرُ تصمتُ المدافع حين تتكلم مصرُ تصمتُ المدافع



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:07 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى
 العرب اليوم - دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 01:53 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
 العرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 09:06 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يوقف حفله في دبي بسبب نيللي كريم وأحمد السقا

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 20:43 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في أميركا

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab