على أبواب المتحف كلُّنا مصر

على أبواب المتحف.. كلُّنا مصر

على أبواب المتحف.. كلُّنا مصر

 العرب اليوم -

على أبواب المتحف كلُّنا مصر

بقلم: فاطمة ناعوت

عام ٢٠١٤، دعتنى قناة «الغد العربى» مع نخبة من أديبات وشاعرات الوطن العربى، فى برنامج «صباح مساء»، للحديث عن: «العيد الوطنى» للشعوب. وجاءت كلُّ أديبة مرتدية «الزى الوطنى» لبلدها: البحرين، السعودية، الإمارات، المغرب، عُمان، الأردن.. ومصر. وكان طبيعيًّا أن أرتدى فى الحلقة: «الزى الفرعونى». غير الطبيعى هو الهجوم العنيف والسخرية المرّة التى واجهتنى بعدها، وصورتى بالملابس الفرعونية التى تناقلتها الصفحات مصحوبة بآيات التنمّر والسُّباب! المدهش، والمحزن، أن بعض الساخرين كانوا من المثقفين! وحين سألتهم: وما هو زيّنا الوطنى؟ ارتجّ الأمرُ عليهم ولم يجب إلا القليلُ قائلين: «اللبس الفلاحى».

كنتُ أعلم أن السؤال صعبٌ، لأن مصر بضخامتها وتعدديتها وغزارة تاريخها: عصيّةٌ على التصنيف. من الصعب اختصارها فى زى واحد. لهذا عدتُ بالزمن إلى خط البداية، إلى الجذر الأول للهُوية المصرية، إلى الحضارة التى منحت العالم معنى الوطن والحكمة والفن والكتابة والطب والهندسة. فاخترتُ بداهةً: الملابس المصرية القديمة.

ومع عُسر سؤال «الزى الوطنى»، يتجاور سؤالٌ آخرُ لا يقلُّ تعقيدًا: «ما هو اليوم الوطنى لمصر؟»، الإجابة المألوفة: ٢٣ يوليو، يوم ثورتنا عام ١٩٥٢. وقبل ٥٢، ماذا كان يومنا الوطنى؟ هل هو ٢٨ فبراير يوم استقلال مصر عن بريطانيا وإعلان المملكة المصرية؟ أم ٤ فبراير يوم حادثة قصر عابدين عام ١٩٤٢؟ أم عشرات بل مئات الأيام الماجدة التى يصحُّ أن تكون عيدًا وطنيًّا لمصر عبر تاريخها الطويل؟.

مشكلة مصر فى جمالها وعراقتها وأمدها التاريخى بالغ القدم، على عكس الدول التى نشأت قبل بضعة عقود لم تتم القرن، يسهُل تحديد يوم ميلادها. أما مصر، ذات السبعة آلاف عام حضارة وعشرات الآلاف عام من السعى الحضارى، من العسير اختصارها فى يوم مجيد واحد، وهذا سرُّ خلودها وهيبتها، وعسر تصنيفها وتأطيرها فى زى ويوم. وهذا عينُ ما قصدته الجميلة: «سمر فرج فودة» فى كلمتها التى رجّت الرأى العام. وهو بالضبط سرُّ سعادتنا ونحن نشاهد الصور الحية لملايين المصريين المحتشدين أمام بوابات «المتحف المصرى الكبير»، بجميع الطوائف والأزياء والطبقات، التى من الصعب تأطيرها ولملمة شتاتها.

بعد افتتاح المتحف، اشتعل الفخرُ بتاريخنا الأعظم فى قلوب المصريين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم وأزيائهم: العصية على التوحد والاختصار. الجلباب إلى جوار العباية. البدلة جوار الجينز. الطرحة جوار الخصلات المتطايرة؛ جميعنا مصريون نفخر بحضارتنا وانتمائنا لوطن خالد. وكأن بالمصريين عطشًا للوقوف على بوابة المجد؛ نفدت التذاكر من فورها فاشترى المصريون تذاكر الأجانب الغالية، وحين نفدت هى الأخرى انتشرت الحشودُ فى ساحات الهرم فى مشهد تاريخى مهيب وغير مسبوق؛ لم نره من قبل. كان احتفالًا صامتًا، وملوّنًا، بالهوية. تجمّع عفوى لشعبٍ يذكّرُ نفسَه بأنه لا يشبه أحدًا.. ولا يشبهه أحدٌ.

جاء الناس من جميع الجهات، يحملون ألوانهم ولهجاتهم وطرائقهم فى الفرح والضحك والانبهار. طفلة صغيرة وتلوّح بعلم، إلى جوار شيخٍ يلتقط صورة بهاتفه، وكأنّ التاريخ فتح ذراعيه وقال: «ادخلوا جميعًا، أنتم الصورة الكاملة». فمصر لا تُختصر، لأنّ جوهرها التعدد. هى ابنة النهر الذى لا يملّ من الاختلاط بالطين، والهواء، والناس. وكلّ من يقف على ضفّتها يأخذ منها ملامح مختلفة، ثم يعود ليضيفها إلى المزيج الكبير الذى اسمه الوطن. من الدلتا إلى النوبة، من الواحات إلى الأحياء الراقية، من الأرياف إلى المدن الصاخبة، كلٌّ يحمل مفتاحًا صغيرًا من مفاتيح الشخصية المصرية، ولا يكتمل اللحن إلا بجميع المفاتيح.

المتحف الكبير فى ذلك اليوم لم يفتح أبوابه للآثار فحسب، بل لذاكرةٍ حيّة نابضة. كأنّ الأهرامات تراقب أبناءها وهم يعودون إليها بعد غياب، متنوعين كما تركتهم منذ آلاف السنين: لا نسخة واحدة منهم، ولا قوالب جاهزة، بل حياةٌ تتجدّد وتختلف فى كل تفصيلة. عبقرية مصر أن زيّها مُطرّزٌ بخيوط الضوء القادم من شمسها القديمة. يعيشُ أهلُها بتجاورٍ لا بتنافر. تختلف الأصوات واللهجات، لكن اللحن واحد. مقطعٌ من نشيدها الأبدى: أنا المصرى.. كريم العنصرين.

على أبواب المتحف، حيث يلتقى الحجر بالروح، وحيث تتجاور التماثيل الصامتة مع صخب الزوار، تتأكد أن مصر لا تُعرض فى فاترينات زجاجية، بل تمشى بين الناس فى هيئة أمٍّ عظيمة تُوزّع ذاكرتها على أبنائها. وحين ينعكس ضوء الشمس على الواجهة الزجاجية للمتحف الكبير، يمدُّ الماضى يده إلى الغد، ويهمس: «أنا مصر.. لم أولد فى يومٍ واحد، ولم أرتدِ زيًّا واحدًا، لأننى كنتُ العالمَ كلَّه قبل أن يُخترَع اسمُ العالم». وفى حضرة ذلك المتحف الذى يجمع الزمان فى حجر، نهتف فى صوت واحد: كلّنا مصر.

 

arabstoday

GMT 07:37 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أهميَّة لقاءِ الأمير والرئيس

GMT 07:35 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاف لا محاور

GMT 07:34 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وأميركا... الصداقة وليس المال فقط

GMT 07:32 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

من يطمئن الجنوبيين ومن يحمي لبنان؟

GMT 07:30 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مستقبل قواعد البيانات للذكاء الاصطناعي

GMT 07:29 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... إفلاس سياسي وليس اقتصادياً

GMT 07:27 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض إلى واشنطن... شريك لا يمكن تجاهله

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات في مواجهة المشروع الأمريكي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على أبواب المتحف كلُّنا مصر على أبواب المتحف كلُّنا مصر



إطلالات هنا الزاهد بالأبيص أناقة هادئة تزداد حضوراً في الصباح والسهرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:06 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بي بي سي تؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ترامب
 العرب اليوم - بي بي سي تؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ترامب

GMT 05:52 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يفتتح CAIRO'S XR ضمن مهرجان القاهرة السينمائي
 العرب اليوم - حسين فهمي يفتتح CAIRO'S XR ضمن مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 00:57 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تغرم غوغل 665 مليون دولار بسبب الاحتكار

GMT 07:52 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أضيفي لمسة القفازات لإطلالاتك على خطى النجمة درة

GMT 09:58 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يبدأ تطبيق نظام الحجز المسبق للزوار

GMT 06:31 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سلسلة مؤهلات

GMT 16:24 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

البابا يحث قادة العالم على الاستماع إلى صرخة الفقراء

GMT 08:33 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أناقة المطبخ بين الأبيض والخشب في التصاميم العصرية

GMT 04:41 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 12 وإصابة 10 في حادث حافلة بالإكوادور

GMT 06:32 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة مفاجئة لاعب أوكراني سابق بعد مباراة خيرية

GMT 23:42 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل في الجزائر بعد أداء طلاب طب القسم بالفرنسية

GMT 17:38 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرع 32 عاملا في انهيار منجم كوبالت بجنوب الكونغو

GMT 05:07 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلغاء عشرات الرحلات الجوية بعد ثوران بركان في اليابان

GMT 10:32 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يكشف سرّاً عن علاقته بشيرين عبد الوهاب

GMT 05:01 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قتلى وجرحى في إطلاق نار بولاية نيوجيرسي

GMT 05:34 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مظاهرة حاشدة في بروكسل تطالب بحصار عسكري شامل على إسرائيل

GMT 05:03 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تستهدف مناطق شرقي خان يونس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab