«الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»

«الملحد» مغالطة: «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»!!

«الملحد» مغالطة: «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»!!

 العرب اليوم -

«الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»

بقلم: فاطمة ناعوت

«نظرة»، عنوان إحدى أجمل قصص «يوسف إدريس». لو لم تكن قد قرأتَها، من فضلك أخبرنى: ماذا وصلك من عنوانها؟.. أغلبُ الظنّ سيمضى حدسُك فى اتجاه أنها «نظرةٌ» رومانسية حالمة بين حبيبين على ضوء الشموع. ولو كنتَ شخصًا عمليًّا، ربما ذهب عقلُك نحو «نظرة» استشراف المستقبل فى ظل الواقع الاقتصادى والسياسى والديموجرافى الجديد.

لكن من العسير، المقترب من المستحيل، أن يخطر على بالك أنها «نظرة» طفلة فقيرة نحيلة حافية تحمل فوق رأسها صاج فرن أكبر من حجمها، نحو كرة مطاطية طوّحتها فى الهواء أيادى أطفال سعداء يلعبون، بينما هى محرومةٌ من اللعب والمرح. «الشحاذ»، أجمل ما كتب العمدة «نجيب محفوظ» من روايات. لو أنك لم تقرأها، إلامَ يذهبُ خيالُك من عنوانها، وعلامَ تدور؟.

هل بطلُها شحاذٌ، والروايةُ ذات سمتٍ اشتراكى تدعوك إلى التعاطف مع الفقراء؟، وماذا لو أخبرتُك أن بطل الرواية محامٍ شهير ميسورُ الحال، وليس من بين شخوصها «شحاذٌ» واحد؟!، هل يمكن أن تتصور أن البطل الثرىّ فى لحظة عدمية وقنوط راح «يتسوَّلُ»، أو «يشحذُ» الشحاذةَ الروحية بحثًا عن: الشغف، الحقيقة، الأمل، السعادة، النغمة الهاربة من الحياة، الجدوى، الهدف.. وغيرها من المجردات غير المادية، التى من العسير أن «تُشحَذ»، أو «تُتسوّل»؟!!!.

«الجريمة والعقاب»، وهى من أواخر كلاسيكيات القرن ١٩ التى قد يُفضى عنوانُها إلى دلالاتها، ماذا تفهم من عنوانها؟. هل أراد «ديستويفسكى» أن يقول إن لكل جريمة عقابًا، أم إن ثمة مجرمين يُفلتون من العقاب، أم إن أبرياء ينالون العقاب بدلًا من المجرمين، أم إن العقاب النفسى أشدُّ وطأة على المجرم من عقاب القانون، أم ألف احتمالٍ واحتمال تحمله هاتان الكلمتان المبهمتان اللتان تشكلان «العنوان»، الذى لا يقولُ شيئًا قط، ولا ينبغى له أن يقول؟.

لابد أن «تقرأ» الرواية كاملة لتضع الإجابة!. لابد أن تشاهد الشخوص يتحركون وتسمع وجيبَ قلوبهم وتعايش همومهم وتشاركهم آمالهم لكى تقف على دلالة الرواية ومغزاها الفكرى أو الأخلاقى. جريمةٌ كبرى أن تتحدث دون قراءة أو مشاهدة. قبل قراءتك الرواية ليس من حقّك أن تفتح فمك لتنطق بحرف واحد عنها، سلبًا أو إيجابًا.

من أسوأ وأخطر وأقبح الأمثلة الشعبية التى تتداولُها الأفواهُ، والعقولُ للأسف، مقولة: «الكتاب يُقرأ من عنوانه»!. لا يا فندم، الكتابُ يُقرأ من عنوانه فقط فى قصص الأطفال وحواديت الجِنّيات؛ لأن عقل الطفل لا يفهم الإحالات والإزاحات والمجازات. رغم أن عقل الطفل أكثر اتساعًا ورجاحةً من عقول الكبار لأن عقلَ الطفلَ «نظيفٌ» لم يُلوّث بعد بالتراكمات والمغالطات والأكاذيب والمصالح وغيرها من أدران البشر.

الكتابُ أبدًا لا يُقرأ من عنوانه!. تلك مغالطةٌ «غير» منطقية حتى. حتى سور القرآن الكريم لا تعبّر عناوينُها عن مضمونِها إلا فيما نَدُر، فجزء «عمَّ»، لو لم تقرأه، ما كنتَ تدرك أنه أخذ اسمَه من مجرد «أداة استفهام» تستفتحُ سورة «النبأ» فى قوله تعالى: «عمَّ يتساءلون»، وهى جُماع: «عن ماذا». وسورة «الحديد» لابد أن تقرأها كاملة وتتأمل دلالاتها الجميلة لئلا يدورَ فى خلَدك أنها تتحدثُ عن معدن الحديد إلا فى شطر صغير من آية.. وهكذا.

مهزلةٌ كبرى أن يتكوّن الرأىُ العامُّ الشرسُ وتبرز أنيابُه ويرغى ويزبد ويغضب ويلعن ويُكفّر ويُزندق ويُهرطق ويطلق الرصاصَ على «عنوان» فيلم، لم يشاهده أحدٌ بعد، فيتمّ وأدَه فى مهده!. مهزلةٌ مخيفة لا تحدثُ إلا فى المجتمعات الظلامية التى أنامت عقولها أو وأدتها أو أعارتها إلى غيرها ليفكر بالنيابة عنها، دون أى نِيَّة فى استردادها!.

فيلم «الملحد» الذى تريدون رميَه بالرصاص قبل أن يتنفس، ببساطة سوف يعيش أكثر من قاتليه. ليس وحسب لأن الفيلم «يحاربُ الإلحاد» ويناقش ظاهرة خطيرة تجتاحُ المجتمع العربى بأكمله مثلما ناقش «الضيف»، و«صاحب المقام» ظواهرَ مجتمعية شديدة الخطورة، بل الأهمُ لأن المُصادرةَ على المواطن المصرى، ومعاملته كأنه «طفلٌ» غيرُ ناضج فاقدُ الأهلية، تحجبون عنه أفلامَ الكبار، أمرٌ مخجلٌ لا يليقُ بشعب عريق ومثقف مثل الشعب المصرى الذى شيّد حضارته على العلوم والفنون والفكر والفلسفة.

المصريون ليسوا قطعًا من الإسفنج الهشّ الأجوف تخشون عليهم من رذاذ التفكير والتدبّر، بل هم بشرٌ ناضجون مفكرون يعرفون كيف يميّزون بين الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والإلحاد. وأما محاولة وأد الفيلم بدافع «الشخصنة» الرخيصة لأن كاتبه مفكرٌ إشكالى وإصلاحى كبير بحجم «إبراهيم عيسى»؛ فليست إلا مغالطةً منطقيةً أخرى اسمها: «مغالطة رجل القش». ارفعوا أياديكم عن الإبداع، واحترموا «الإنسان» المصرى الجدير بالاحترام.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه» «الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:26 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تعلن مقتل عنصر من حزب الله جنوب لبنان
 العرب اليوم - إسرائيل تعلن مقتل عنصر من حزب الله جنوب لبنان

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته
 العرب اليوم - نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

سجن إلهام الفضالة بسبب تسجيل صوتي

GMT 01:07 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 04:38 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة

GMT 14:40 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"غوغل" تتطلع للفضاء لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي

GMT 05:52 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

انقطاع الكهرباء في أوكرانيا بعد هجوم روسي

GMT 14:34 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أطعمة ومشروبات تجنبها مع البيض

GMT 05:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرع 4 أشخاص في تحطم طائرة بروسيا

GMT 11:54 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تحسم الجدل حول فيديو الاعتداء على مواطن في الحرم المكي

GMT 05:45 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب إقليم بلوشستان دون أنباء عن خسائر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab