«سميرة» العسراء وأغسطس

«سميرة» العسراء.. وأغسطس!

«سميرة» العسراء.. وأغسطس!

 العرب اليوم -

«سميرة» العسراء وأغسطس

بقلم: فاطمة ناعوت

قبل أن يُلملِمَ «أغسطس» أوراقَه ويتوكأ على عصاه ويمضى إلى جوف كهف الزمان، دعونى أُلوِّح معكم لسيدة جميلة كان لها مع شهر أغسطس حكايتان. الأولى لها علاقةٌ بميلادها، والثانية كتبتْ نهايتَها المفجعة التى هزّت أركان العالم فى خمسينيات القرن الماضى. جميلةُ الوجه والعقل، العالِمة الوطنية «سميرة موسى»، ابنة محافظة الغربية، أول عالِمة ذرة مصرية، وأول معيدة فى كلية العلوم بجامعة «فؤاد الأول»، التى غدت «جامعة القاهرة».

وُلِدَت فى الربيع شأنَ الزهور فى ١٧ مارس ١٩١٧، ثم خطفها الموتُ غِيلةً وغدرًا فى أوج إشراقها ونصوعها العلمى؛ لأن عقلَها الفذّ كان خطرًا على تجارة السلاح العالمية، التى تُدرُّ مليارات الدولارات على أصحابها. قرر سَدنةُ تجارة السلاح العالمى إخمادَ صوت عالِمة الفيزياء والطاقة النووية المصرية حين أوشكت أبحاثُها وتجاربُها المعملية على ابتكار قنبلة ذرية من مخلفات المعادن الرخيصة، ما سوف يسمحُ للدول الفقيرة بإنتاجها، فيختفى تفوُّقُ الدول القوية على الدول المستضعفة.

وهذا عينُ ما ترفضه قوى الاستقواء والاستعمار والتسيُّد، فتقرّر تصفية ذلك العقل المصرى النيّر قبل تحقيق الحُلم. وتمت الجريمةُ الخسيسةُ فى أمريكا يوم ٥ أغسطس ١٩٥٢، وهى فى الخامس والثلاثين من عمرها. هذه حكايتها الأولى مع «أغسطس»، الذى كتب نهاية تلك الأسطورة المصرية الخالدة، التى لو كان كُتب لأبحاثها النجاة وتحققت تجاربها العلمية المعملية الخطيرة، لتغيّر وجه العالم، وسادَ السلامُ. لأن احتكار القوة فى يدٍ باطشة يجعل موازين العدالة تختلُّ فتعمُّ الفوضى ويسودُ التجبّر، وتشتعلُ الحروبُ وتنتشرُ المجاعاتُ والاسترقاق. أما لو تعادلت موازينُ القوى فى يد الجميع، لاختفى الجبروتُ والطغيان، وترك العالمُ فكرةَ الاستعمار والرغبة فى التملّك، ليتوجه نحو السلام والبناء والارتقاء بالإنسان.

كان حُلم الصبية الوطنية أن تدخل مصرُ حقل التسلّح النووى ليكون لها مكانٌ على خارطة التقدم العلمى، حيث الكلمةُ العليا للأقوى سلاحًا وعِلمًا وصناعةً. كانت تدرك أن امتلاك السلاح النووى هو أرضية تحقيق السلام من منطلق القوة، لا الضعف، فى عالم متوحّش أشعل حربين عالميتين هائلتين دمرتا شطرًا كبيرًا من العالم. خافت على مصر من مصير اليابان، فى هيروشيما وناجازاكى عام ١٩٤٥، المدينتين اللتين دكّتهما القنبلة الذرية الأمريكية دكًّا.

وبعد قيام دولة إسرائيل المحتلّة على أرض فلسطين عام ١٩٤٨، وإصرارها على الانفراد بالتسلّح النووى فى المنطقة العربية، خافت «سميرة موسى» على وطنها؛ وقررت أن يكون لمصر ظهيرٌ نووى تردُّ به الأذى عن نفسها وعن المنطقة العربية؛ فأسّست «هيئة الطاقة الذرية»، ونظّمت وفودًا مصرية للسفر فى بعثات علمية لدراسة علوم الذرّة. وواصلت المناداة بالتسلح النووى للوقوف على أرض النديّة أمام الكيان الصهيونى الاستعمارى الآخذ فى الاستقواء بقوتى: السلاح النووى والدعم الأمريكى. ونظّمت فى كلية العلوم مؤتمرًا عالميًّا شارك فيه عددٌ من علماء العالم، أطلقت عليه: «مؤتمر الذرّة من أجل السلام»؛ لتنشر فكرتها أمام العالم: «تطويع الذَّرّة لعلاج الإنسان من السرطان، وليس لقتله بالقنبلة الذرية».

وكان لابد للعدو من وضع نهاية لتلك الحياة الثرية الحافلة بالعلم والوطنية والامتياز العقلى. بعد استجابة د. «سميرة موسى» لدعوة من أمريكا لإجراء أبحاثها فى معامل جامعة «سان لويس» بولاية ميسورى الأمريكية، حاولوا استقطابها للبقاء هناك للتدريس. ولكنها رفضت وأصرت على العودة لمصر، الوطن العزيز. وقبل عودتها لمصر بيومين، زارت معملًا نوويًّا فى ضواحى كاليفورنيا. وصرّحت للصحف بتصريح خطير قالت فيه: (لو كان بمصر معملٌ مثل هذا؛ لأنجزتُ الكثيرَ لبلادى. وحين أعود سأنشئ مثله لتطوير تجارب الطاقة النووية لخدمة قضية السلام من منطلق القوة) فور خروجها من المعمل، دهم سيارتَها لورى ضخم، فسقطت مهشمةً فى وادٍ سحيق. تُرى كيف كان وجهُ مصرَ العلمىّ والنووىّ، لو عاشت تلك الفتاةُ الجميلةُ بضعَ سنواتٍ أخرى؟. هيهات!. عقلُها كان خطرًا على تُجار السلاح بوجه عام، والعدوّ الصهيونى بوجه خاص، فوجب تصفيتُه، فقُطفت زهرةُ روحها الوطنية فى عزّ نداوتها.

أما حكايتها الثانية مع شهر أغسطس، فلأن ١٣ أغسطس هو «اليوم العالمى للعُسر، أو مستخدمى اليد اليسرى». وكانت جميلتُنا «عسراءَ»، تستخدمُ يدَها اليسرى فى الكتابة والحياة. وكانت واحدًا من النماذج «العسراء» الجميلة التى يقصُّها علىَّ أبى، حين كنتُ أعود إليه من المدرسة باكيةً بسبب تنمّر زملاء الفصل علىَّ لأننى أكتبُ باليسرى وأعجز عن الكتابة بيدى اليمنى!، فحوّل أبى الجميلُ خجلى إلى فخرٍ، وشعور بالتميز. رحم الله عظيمة مصر العسراء «سميرة موسى»، ورحم أبى، وأسكنهما مُقامًا عَليًّا.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سميرة» العسراء وأغسطس «سميرة» العسراء وأغسطس



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab