«ولنا في الخيال حبٌّ» السينما في أَوْجِها

«ولنا في الخيال حبٌّ».. السينما في أَوْجِها

«ولنا في الخيال حبٌّ».. السينما في أَوْجِها

 العرب اليوم -

«ولنا في الخيال حبٌّ» السينما في أَوْجِها

بقلم : فاطمة ناعوت

منذ مدةٍ طويلة لم أشاهد فيلمًا بكل هذى العذوبة والجمال والاكتمال الفنى. هناك أفلامٌ نخرج منها كما دخلناها. وأفلام أخرى تخرج بنا لا منّا؛ تخزُ القلبَ وتُغيّر إيقاعَ خفقه، وتوقظُ فينا ما ظنناه قد انطفأ. فيلم «ولنا فى الخيال حبٌّ» ينتمى إلى النوع الثانى النادر: الدراما التى تُعيد للسينما معناها الأول: أن تنحتَ العقلَ وتُزلزلَ الروحَ وتُعدِّل وضعَ المنظار فوق عيوننا لنرى الأشياء بطريقة لم نرها من قبل. منذ المشهد الافتتاحى تصافحك لوحة «ليلة تضيئها النجوم» Starry Night مرسومة على اللحاف والحوائط والملابس، فتشعر أنك على وشك مصافحة الجنون الذى ضرب «فان جوخ» فأبدع كل هذا الجمال: حيث النجوم وقد تحولت إلى شموس صفراء متوهجة تغزو سماء زرقاء داكنة، ورغم دوامات الشموس الكثيرة المتوهجة، يظلُّ الليلُ ليلا والظلامُ ظلامًا، ويظلُّ الحزنُ حزنًا يُطلُّ عليه الفرحُ كومضات مشرقة خاطفة. تمامًا مثلما يظلُّ «الخيالُ» أرجوحةً ترفعنا للسماء تارةً، وتحطُّ بنا على الأرض تارة.

ظلَّ التصفيقُ مستمرًا دقائق طوالا بعدما شاهدنا الفيلم فى العرض الخاص أمس الأول خلال «مهرجان الجونة» للسينما، مع نجومه: «أحمد السعدنى»، «عمر رزيق»، «مايان السيد»، والمخرجة المدهشة «سارة رزيق» التى أبدعت فى فيلمها الطويل الأول. فى كتيب المهرجان وضع عنوان الفيلم بالإنجليزية، Love Imagined لأن الفيلم يطرح تيمة «الخيال» حين يكون آخر حصون الروح وطوق النجاة من الغرق فى بحر الحَزن.

أستاذ جامعى يفقد زوجته بعد قصة حبّ عميقة، إثر حادث فى ألمانيا. وعلى مدى السنوات العشر لم يبرأ من عشقه، ولا من ألم الفقد. بل هو لم يعترف أصلًا بالفقد ولا صدّق غياب زوجته. هجر العالم وعاش مع دُمية منحها ملامح محبوبته الراحلة: يجلس إليها، يكلّمها، يطهو لها أكلتها المفضلة، ويعود إليها من العمل ملهوفًا، كأن الموت خيالٌ لم يقع. هذا ليس فُصامًا بل إنكارٌ جمالى للفقد؛ ومحاولة لرأب شقّ غائر فى جدار القلب. يقدّم الفيلمُ شخصيةً مفجوعة، لا كضحية، بل ككائن يتشبث بالحياة عند الحدّ الفاصل بين العقل والخيال. جسّد هذه الشخصية على نحو شديد البراعة النجم «أحمد السعدنى».

على الضفة الأخرى نتعرف على ثنائى شاب بدأت قصّة حبهما من الطفولة، ويتزاملان الآن فى الجامعة. غير أن اختلاف شخصيتيهما أربكت الحبَّ فتعثّر. هو شاعر الخيال، وهى عاقلة الواقع. هو يرى العالم أغنية، وهى تراه مشروعًا. يرى الحياة رومانسية وترى الحياة كدًّا وعملا ونجاحًا. ويقع الفراقُ المُرُّ. ويتقاطع خطُّ الحبيبين الحزينين مع عالم الأستاذ المكلوم، فتبدأ اللعبةُ الكبرى للخيال: رسائلُ موجّهة إلى دمية يظن العاشقُ أنها فتاة جميلة، مغامرات طائشة من شباب عاشق تصطدم بحائط بروفيسور حزين متجهم ووقور. وهمٌ يقود إلى حبّ، وحبٌّ يقود إلى كشف، وكشفٌ يقود الجميعَ إلى أنفسهم.

يبلغ الإبهارُ ذروتَه العليا خلال مشاهد الاستعراض المدهش الذى أدى فيه الأبطال الثلاثة رقصاتٍ فانتازية بالغة العذوبة. تلك المشاهد تُشكّل القلب البصرى والسمعى والخيالى للعمل. موتوسيكل يحمل العاشقين فيتحوّل الطريق إلى سماء، والحركة إلى طيران؛ فيرقصُ العشاق فوق السحاب، فى لقطة تعلن أن الحب، حين يتحرّر من سلاسل الماديات والصعاب، يكون أقرب إلى جناح عصفور حر. وأما الذروة الثانية فكانت الرقصة الثلاثية الختامية التى جمعت البروفيسور المصدوع بتلميذيه العاشقَين. فى تلك اللحظة تصالح الخيالُ مع الواقع، والماضى مع الحاضر. بل تصالحت الأزمنة الثلاثة: الماضى الجريح الذى يمثله الأستاذ، والحاضر القَلِق الذى تمثله الفتاة، والمستقبل المندفع الذى يمثله الفتى، الذى أثبت لأستاذه أن علاج الفقد هو الحياة وصنع الخيال الإيجابى المستقبلى وليس الوهم الماضوى السلبى. فى تلك الاستعراضات الجميلة تتحول الموسيقى إلى جسور، والحركة إلى شفاء، والخيال إلى مساحة يتساوى فيها الكبار والصغار، الأحياء والأطياف. رقصات من الفانتازيا الراقية تُعيد للسينما سحرها الأول: الصورة كقصيدة، والموسيقى كقدر جميل. وهنا لابد أن نُشيد بالواعد «عمر زريق» الذى ذكّرنا بالفنان العبقرى الشامل: «منير مراد».

من بين المشاهد الماسّة فى هذى الدراما الراقية، لحظة انهيار الأستاذ حين يُفتضَح سرُّ الدمية. يبكى «السعدنى» على كتف زميل دراسته وأحد شهود قصة الحب القديمة، كما لو أنه يكتشف موت زوجته الآن بعد عشر سنوات من رحيلها. دموعه كانت الاعتراف أخيرًا بموتها. فى هذه اللقطة انفجرت القاعة بالتصفيق؛ لأن البطل لمس فى الإنسان وترًا موجعًا: خوفه من الفقد، وعجزه أمام الموت.

هذا فيلم مدهش يُعيد للذائقة احترامَها، وللفن مكانتَه، وللمُشاهِد حقَّه فى الدهشة والمتعة. عمل يثبت أن السينما قادرة على أن تداوى وتُضىء وتُدهش وتُنقذ. وحين تُغلق الشاشة بعد المشهد الأخير، لا ينتهى الفيلم فى القاعة... بل يبدأ داخلنا من جديد.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ولنا في الخيال حبٌّ» السينما في أَوْجِها «ولنا في الخيال حبٌّ» السينما في أَوْجِها



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab