بقلم : طارق الشناوي
توج المخرج الموهوب نمير عبد المسيح بأكثر من جائزة فى (الجونة)، أفضل فيلم وثائقى عربى، وأيضا الجائزة الفضية فى المسابقة الدولية.
عرفت هذه العائلة الكريمة قبل نحو 15 عاما فى مهرجان (الدوحة) السينمائى، حيث مثل السينما المصرية الفيلم التسجيلى الطويل (العذراء والأقباط وأنا) لنمير، واقتنص عن جدارة الجائزة الكبرى، كانت معه والدته سهام ووالد وجيه، أسرة مترابطة يجمع الثلاثة (جينات) خفة الظل وفيض لا ينتهى من روح الدعابة، وعشق الوطن، يعيشون فى باريس، بين الحين والآخر يعودون للقاهرة، نمير يحرص دائمًا فى كل مهرجان عالمى يشارك فيه أن يسبقه تعريف المخرج المصرى، برغم أنه يحمل الجنسية الفرنسية بحكم إقامة الأسرة طويلًا هناك، إلا أنه تعود أن يعلن فى كل الدنيا أنه مصرى الهوى والهوية.
شاهدت فيلمه (الحياة بعد سهام)، الذى وثق فيه المخرج علاقته بأمه وكأنه بهذا الفيلم يتحدى الموت، الذى اختطف الأم قبل نحو عشر سنوات، وقبل نهاية تصوير الفيلم، داهم الموت الأب، وكأن نمير بدون أن يقصد يوثق الحياة للسنوات الأخيرة أيضا من عمر والده، يتعامل نمير طوال الأحداث مع الموت باعتباره حياة أخرى بقواعد مختلفة.
موت الأم يتجسد فيه معنى الموت، كان نمير يصور والدته فى تعاملها مع مفردات الحياة، يجرى معها حوارًا ينتقل فيه من اللحظة إلى الزمن البعيد، لم يدرك أن تلك المادة سوف تصبح فيلمًا لتخليدها.
عرفنا منها قصة حبها للأستاذ وجيه، والد نمير، عندما رفضت العريس الذى أراده لها أهلها، وأصرت أن تكلل قصة حبها مع وجيه بالزواج، هددت الأهل بالانتحار فاستجابوا لها، كانت الأم لا تزال تحتفظ بالخطابات التى اشتعلت تحت لهيب الحب، بينما الأب، يتذكر أثناء مرحلة الشباب كيف انه كان يصعد معها أسانسير (برج الجزيرة)، ليهبطا السلم معا ويقتنص منها عنوة القبلات طبقا لعدد درجات السلم!!.
هناك من كان يفضل الانتحار من فوق برج الجزيرة، بينما وجد فيه كُثر فرصة لإعلان حبهم، مثل وجيه وسهام.
تنساب مشاهد سينمائية أرشيفية، فى الفيلم التسجيلى استعارها نمير من أستاذه يوسف شاهين، واحتل فيلم (عودة الابن الضال) المساحة الأكبر، نسجها مع أحداث الفيلم.
كما أن أغنية محمد عبد الوهاب (يا مسافر وحدك) كانت هى رسالة الأب لزوجته داخل النعش، عند وداعها فى الكنيسة، تخلل الفيلم أغنية عبد الحليم (أنا لك على طول خليك ليا)، أما فى لحظة الزواج مطلع السبعينيات جاء صوت عايدة الشاعر تردد الأغنية المبهجة (فالح يا وله /خدت البنت الحيلة / أم عيون كحيلة / مش خسارة فيك)، نسيج الفيلم التسجيلى كما قدمه نمير يتعامل مع الموت، كبداية للتواصل بوسائل أخرى، الكل لديه وسائله للوصول للآخر، حتى الأحفاد لهم طريقتهم فى التواصل مع سهام، وأهلها فى الصعيد لديهم أيضا وسائلهم.
الشريط يتكئ على المتعة البصرية والوجدانية وخفة الظل، حتى وهو يتناول الموت، يذهب للمقبرة فى باريس أكثر من مرة، ونستمع إلى الزوج وهو يناجى زوجته بينما الحفيد يسقى الورود، وعندما يسأل نمير والده عن وصيته يطلب منه أن يحرق جسده، ويوضع الرماد فى بوتقة ليرقد بجوارها. وينتهى الشريط السينمائى بصوت عايدة الشاعر وهى تواصل (فالح يا وله /فالح)، جرأة إبداعية تليق حقا بفنان عاشق للوطن، يعتز بمصريته، وبانتمائه، ولا تزال سهام ووجيه يعيشان فى وجدانه!!.