نادرا ما يدلى الفنان برأيه على الملأ فى الزملاء، خاصة لو كان سلبيا، إلا أن عبدالحليم حافظ كان يجيد اللعب فى تلك المساحة الشائكة.
فى أحد البرامج منحته المطربة الشعبية شريفة فاضل فقط ٧ من عشرة كمطرب، وعندما سألوه عنها منحها عشرة من عشرة، وكسب هو الجولة.
على الجانب الآخر، وجه (العندليب) ضربتين مباغتتين، لكل من وردة ونجاة، فى حوار أجراه معه سمير صبرى عام ١٩٧٦ قبل رحيله بعام، وصف الأولى بأنها تزيد من انفعالها أمام الميكروفون مما يفقدها صدق الإحساس، بينما الثانية تخطئ فى الأداء اللغوى، ونصحها بأن تعيد تعلم النطق الصحيح على يد أحد شيوخ القرآن الكريم، مثلما فعل هو فى بدايته، كما أنه وصف هانى شاكر قائلا: (صوت بلا طموح).
إلا أننى أتوقف هذه المرة بشىء من التفصيل أمام رأيه فى صوتين من أكثر الحناجر البشرية اكتمالًا؛ محمد قنديل وسعاد محمد، أشاد بقدراتهما الاستثنائية، ولكنه أضاف ينقصهما شىء.. ملحوظة أم كلثوم فى كل أحاديثها تعتبر قنديل هو الصوت الرجالى الأول، وتضع دومًا سعاد محمد على القمة.
ما الذى قصده عبد الحليم بتوصيف ينقصهما شىء، يقصد النجاح الجماهيرى الذى يتناسب مع الإمكانيات التى يتمتع بها الصوتان، من الممكن أن تقرأ ذلك من خلال ظلال تعبير (حتة ناقصة).
ينطبق هذا التوصيف أيضا على أقرب الأصوات إلى عبدالحليم، والذى علمه فى البداية أصول الغناء، واصطحبه فى مرحلة الشباب المبكر من الملجأ إلى القاهرة، ثم ألحقه بمعهد الموسيقى.
أتحدث عن إسماعيل شبانة، الشقيق الكبير لعبدالحليم الذى سبقه للدنيا بنحو ١٠ سنوات وعاش أيضا بعده ١٠ سنوات، إلا أن الناس لا تتذكره، إلا فقط بأنه الشقيق الكبير لعبدالحليم شبانة، قبل أن يحمل اسم الشهرة (حافظ)!!
لكل من محمد قنديل وسعاد محمد رصيد من الأغانى اخترقت حاجز الزمن، إلا أن كلًا منهما لم ينل ما يستحقه من حفاوة وتقدير جماهيرى .
بسبب (الحتة الناقصة)، إنها ما نطلق عليه (الكاريزما)، منحة إلهية لا يمكن أن تحددها داخل إطار صارم، هناك فنان له حضور طاغ، بمجرد أن تلمحه يستحوذ على الاهتمام ويسرق الكاميرا، بينما يفتقد الآخر هذا الوهج الداخلى، وكأن فى حضوره انصرافًا!!.
فى بدايات عبدالحليم، غنى محمد قنديل من ألحان كمال الطويل توأم عبدالحليم الفنى: (يا رايحين الغورية.. هاتوا لحبيبى هدية)، شعر عبدالحليم بأن تلك الأغنية من حقه، كانت لديه وقتها قناعة بأن كل ما يقدمه كمال الطويل من ألحان ملك له.
وبدون علم الطويل- كما قال لى- فوجئ بأن الأغنية طرحت على أسطوانة، بينما الناس أحبتها بصوت قنديل، وكان حليم فى حياته يمنع تداولها، حتى لا تحدث مقارنة ليست فى صالحه.
عبدالوهاب لم يحن أبدًا لقنديل قائلًا إنه يحب دائمًا استعراض صوته، حتى لو خرج عن ملامح اللحن، وعندما سأله الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى، لماذا لم يلحن لسعاد محمد؟ أجابه ساخرًا أنجبت ٩ مرات، فكيف ألحن لها؟.
إلا أنه صرح بعد أن غنت من تلحين سيد درويش بصوتها (أنا هويت وانتهيت)، لم يعد من الممكن أن يستمع إليها أحد بصوت آخر، بمن فيهم عبدالوهاب الذى رددها فى تسجيل إذاعى على العود!!.
ما الذى حال إذن دون أن يحقق محمد قنديل وسعاد محمد النجاح الجماهيرى الذى يعادل الموهبة؟ صدقونى إنها (الكاريزما)!!.