لدينا ترمومترٌ مؤثر وحساس تُقاس به الشعوب والمؤسسات حاليًا، اسمه المرأة. الكل يتفاخر بأنه يمنح النساء حقهن، ليس فقط فى الحضور ولكن أيضًا فى الصدارة، ويظل الفيصل هو العدالة وليس الانحياز.
فى المهرجانات الفنية، تُطبق قاعدة (٥٠/٥٠)، إلا أن الصرامة هنا فى التساوى بين الجنسين تؤثر سلبًا على الإبداع، بل من الممكن أن تقتله. ولهذا اختارَ تيرى فريمو، المدير الفنى التاريخى لمهرجان (كان)، حيثُ تجاوز عقدًا من الزمان تولى فيها هذا المنصب الحساس، فهو الذى يملك فى النهاية توجيه بوصلة الاختيار، ويُستخدم تعبير التميز وليس الانحياز.
مهرجان (كان)، اتُهِم قبل سنوات بالانحياز الذكورى، وتابعت مظاهرة قادتها النساء حول قصر المهرجان، شارك فيها عدد من الرجال ضد إدارة المهرجان وعلى رأسه فريمو، لضآلة عدد أفلام المرأة فى المسابقات الرسمية، واعتبروها مقصودة ومع سبق الإصرار، وعندما اشترط فريمو قبل سنوات على النساء ارتداء الكعب العالى فى الافتتاح، قررن التحدى والدخول حفاة على السجادة الحمراء.
فى هذه الدورة أوضح المدير الفنى، أنه لا يوجد انحياز، إلا إذا تساوى الإبداع بين فيلمين، فى هذه الحالة يجب البحث عن عامل آخر أطلق عليه فريمو «التمييز». إذا تساوى الرجل والمرأة فى المستوى الفنى، وبات على المهرجان البحث عن سبب ترجيحى، فقال: فى هذه الحالة يكسب الفيلم الذى تُخرجه امرأة، تصبح له الأفضلية.
ولو تصورنا جدلًا مثلًا أن الإدارة الفنية احتارت فى الاختيار بين فيلمين لرجلين، سوف يتم فى هذه الحالة البحث عن سبب ترجيحى، مثلًا لو أحد المخرجين ينتمى إلى بلد لم يسبق لها الاشتراك فى (كان) أو ليس لها أفلام فى هذه الدورة، فى هذه الحالة سيصبح هذا كافيًا لكى يقع الاختيار على هذا الفيلم.
على أرض الواقع، شاهدنا بعض المهرجانات مثل (برلين) فى دورته الأخيرة، يتباهى منظموه بأنهم اختاروا نحو ٧ أفلام إخراج نساء من واقع ١٥ فيلمًا عُرضت فى المسابقة الرسمية. من المؤكد لم يتم اختيار هذه الأفلام لأن عليها توقيع نساء، بل لأنها تستحق، وإلا لوجدنا المهرجان يفقد تمامًا مصداقيته.
هذا العام، نسبة النساء فى (كان) كمخرجات فى كل التظاهرات تصل إلى ٣٢ فى المائة، وفيلم الافتتاح الفرنسى (الرحيل يومًا ما) عليه توقيع المخرجة إيميلى بونان، كما أن لجنة التحكيم يغلب عليها النساء وترأسها النجمة الفرنسية جولييت بينوش.
فى مهرجان (برلين)، تم إلغاء الخط الفاصل تمامًا بين الرجل والمرأة وذلك منذ ٤ سنوات، حيث لم تعد هناك جائزة أفضل ممثل وأخرى أفضل ممثلة، صارت جائزة واحدة فقط أفضل (تمثيل) لرجل أو امرأة، وفازت بها النساء ثلاث مرات. لم يجرؤ أى مهرجان آخر حتى الآن على تطبيق تلك القاعدة.
المرأة تبدو عالميًا وليس فقط عربيًا أو مصريًا، وقد توارت عن الصدارة فى أفيشات الأفلام، فهى تحصل على الأجر الأقل، بينما لو عدت للسينما المصرية تاريخيًا، تدهشك المفاجأة: إن ليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسنى كن ولا يزلن لو حسبنا القيمة الحقيقية للجنيه المصرى هن الأعلى أجرًا من النجوم الرجال، واللاتى تتصدر أسماؤهن شباك التذاكر قبل النجوم، ناهيك عن خصوصية السينما المصرية، والتى قامت على أكتاف نساء مصريات مثل عزيزة أمير وبهيجة حافظ وفاطمة رشدى وأمينة محمد، ولبنانيات مثل آسيا ومارى كوينى.
المبدع بالدرجة الأولى يتجاوز حدوده الجغرافية والبيئية والعرقية والدينية وأيضًا الجنسية ليصل إلى العمق، وهو الإنسان!!
الإبداع يستمد وقوده من العقل البشرى الذى لا يفرّق بين رجل وامرأة. الجائزة التى تحصل عليها المرأة تتحقق قيمتها، لأنها اقتنصتها من الجميع: نساءً ورجالًا!!
المرأة لا تحتاج إلى (الكوتة) التى أراها أقرب لمكسبات الطعم واللون والرائحة الصناعية التى توضع على المأكولات لمنحها مذاقًا خاصًا، لكنها لا تعبر عن تغيير حقيقى فى توجهات المجتمع.
فى الفن والثقافة، أرى أن النساء لسن بحاجة إلى استخدام سلاح (الكوتة) أو قنبلة (التمكين)، لأنهن قادرات على فرض حضورهن بسلاح أكثر فتكًا، وهو الإبداع!!