«السادة الأفاضل» قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء

«السادة الأفاضل».. قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء!

«السادة الأفاضل».. قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء!

 العرب اليوم -

«السادة الأفاضل» قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء

بقلم : طارق الشناوي

شاهدت الفيلم على هامش فعاليات مهرجان (الجونة)، الصالة مكتظة، الواقفون بالعشرات فى الطرقات لا يسمحون بمشاهدة الصورة، والصخب أثناء المشاهدة يحول دون سماع الصوت، حرص أصدقاء فريق العمل على الحضور حبًا أو ربما مجاملة، كان ضحكهم الصاخب يسبق حتى انتهاء الممثلين من أداء الحوار، محدثًا شوشرة وتشويهًا، يحول دون مشاركتهم فى الضحك، الفيلم يظلمه هذا النوع من الجمهور، عشت بعد عرض الفيلم فى حيرة، فأنا شاهدته فعليًا، إلا أننى فى الحقيقة لم أشاهده، بحت بانطباعى السلبى للبعض، كنت موقنًا أن من حق القارئ، حتى أصدقه القول، مشاهدة أخرى.

أنا عادة لا أحضر العروض الخاصة التى صارت واحدة من معالم الحياة السينمائية فى مصر، القسط الوافر من الجمهور المنحاز، والأصدقاء بطبعهم متعاطفون، وهؤلاء تحديدًا يصبح دورهم بالنسبة لى إحداث نوع من التشويش، وكأنهم يصنعون الفوضى غير الخلاقة!!.

الانطباع فى المشاهدة الأولى أن هناك تعنتًا دراميًا فى الجمع بين عدد كبير من الشخصيات والحكايات لتصب فى نهاية الأمر داخل حكاية واحدة، القيد الزمنى مفروض مسبقًا على حالة الشريط، مثلما شاهدناه فى فيلم المخرج كريم الشناوى الأخير (ضى)، بعض الممثلين قرروا افتعال الضحك، يدخلون الفيلم وهدفهم سرقة الضحكة قبل سرقة الكاميرا، ظرف المشاهدة السيئ لعب دورًا سلبيًا فى تفاعلى الوجدانى.

بمجرد عودتى من (الجونة) ذهبت للسينما القريبة من منزلى، حتى أمنح الفيلم حقه، ووجدت أمامى بناء دراميًا متكاملا، شارك فيه أكثر من كاتب موهوب، مصطفى صقر ومحمد عز الدين وعبد الرحمن جاويش، هذا التلاقح يبرز من خلاله دور المخرج فى إضافة روح واحدة للسيناريو، الفيلم يعبر عن رؤية واحدة هى يقينا معادل موضوعى لروح ورؤية المخرج، الفيلم كان حريصًا على أن يقدم للجمهور الضحكة فى عز الفاجعة، وحطم تمامًا- مع سبق الإصرار والترصد- أى تعاطف وجدانى مع كل شخصياته.

واجه، فى البداية، موت الشخصية المحورية التى تحرك الأحداث الممثل المبدع بيومى فؤاد، بمسكن سريع من خلال الحوار بين الطفل (الحفيد) وبيومى (الجد)، عندما سأله (أنت صحيح رايح تقابل ربنا يا جدى؟)، أجابه بنفس البساطة (عايز منه حاجة؟) طلب منه العيدية، قبل أن يواجه وجه رب كريم، وأضاف الحفيد (اسأل ربنا أيضا عن العيدية)، هذا هو المفتاح، الحفيد هو الوجه الآخر للجد، (جينات) النفعية المادية انتقلت بسلاسة للجيل الثالث من الأسرة.

هذا هو المسكن سريع المفعول، حتى لا تستغرق مع حالة موت البطل، كان ينبغى بعد ذلك اللعب دراميا بجرعة أكبر مع الجمهور وعلى المكشوف، وعلى الفور ألقى المخرج بكل أوراقه على الشاشة، بتلك المعلومة، بيومى بالاتفاق مع دائرة العائلة المقيمة معه قرروا حبك هذه اللعبة حتى يتم دفن (المومياء)، التى استولى عليها فى المقبرة بحيلة أن هذا هو جثمان بيومى، ليتم بعد ذلك بيعه.

وتبدأ رحلة كشف كل الشخصيات، العائلة والأصدقاء وأهل القرية، الكل يخفى جانبًا مظلمًا انتهازيًا، ويطل على الحكاية طبقا لهذه المعادلة المباشرة، السؤال ما هو نصيبى من الصفقة؟، وتتسع الدائرة لنرى «ثلاثى» يشاركون فى البحث عن ثروة جانبية لاستغلال حالة الموت، وهم طه دسوقى وعلى صبحى ووجه جديد ممثل موهوب دفع به المخرج ميشيل ميلاد بشاى، الثلاثى يشاركون فى بعث دماء طازجة، الإيقاع السريع فى كشف الشخصيات بأسلوب الانقلاب الدرامى من النقيض للنقيض، وهكذا شاهدنا أشرف عبد الباقى، الشقيق المخدوع، وهو يكسر حالة الحزن فى لحظات، ينزع بقسوة المفتاح من رقبة بيومى، ليستطيع فتح المقبرة الفرعونية التى شاركه فيها، وتصبح المومياء فى مشهد ساخر هى مجرد (خيال مآتة)، يضعها على صبحى، وهو أكثر الشخصيات التى تم توظيفها جيدا.

استوقفتنى شخصية ثانوية فتاة الليل، مع الأسف لم ألتقط اسمها، قدمت الدور بتلقائية وقدمها فى (الجبس)، إلا أنها تواصل أكل العيش، قال البعض إنها أصيبت فى الواقع فتم تغيير بناء الشخصية على هذا النحو، إلا أننى أعتقد أن سر الضحك هو أنها تمارس الدعارة بتلك الحيلة، كما أنها أيضا تساعد على الهروب من قبضة الرقابة التى صارت تتوجس من مثل هذه الشخصيات، البناء الكاريكاتورى بتوافق مع روح الفيلم، ويكبح الغضب الرقابى.

الذروة تحققت مع تلك النهاية التى كتبت على الشاشة عن مصير الشخصيات، مثلا الزوجة (انتصار) المخدوعة فى بيومى، تتزوج من شاب يصغرها وتعيش حياتها، وبيومى يصاب بغيبوبة، ومن يتم دفنه بدلا منه دمية، بقاء البطل بيومى على قيد الحياة رغم أنه مصاب بغيبوبة أيضا، يؤكد أن كتاب السيناريو والمخرج أمسكوا بمشاعر الجمهور، المتفرج قطعا يدين الشخصية دراميا، إلا أنه لا يعتبر أن الموت عقاب مستحق، الفيلم لعب اجتماعيا على خيط عميق، كل الأطراف، وبينهم قطاع وافر من المشاهدين، بداخلهم رغبة فى تبرئة هذه العائلة، لأنهم مدركون أن فى داخلهم شيئا منهم، فهو يعثرون دائما على مبرر يريحهم مع كل تجاوز أو تنازل أخلاقى، حتى الاتجار فى الآثار مباح وشرعى، وهكذا فلم يكن عقاب الشخصيات هو الهدف لتأكيد رسالة أخلاقية. ونصل إلى ذروة أخرى واستخدام موحى، من ينفذ العدالة هو ابن بيومى غير المعترف به (مبروك)، وأدى دوره باقتدار محمد جمال بقلظ، بإيحاء من اسمه أحد مشتقات البركة يقتل من يستحق، وكل شخصيات أنت كمتلقى لم ترتبط بها عاطفيا، ولا مجال للحزن.

الشريط فى المشاهدة المتأنية تعامل بجدية كاشفا الحقيقة، يبقى الخيط الدرامى الذى شكل نتوءا، وهبوطا فى معدل الضحك، العلاقة بين ناهد السباعى وهنادى مهنا، كان المقصود هو تقديم شخصية نسائية عصرية (هنادى) ومن طبقة أعلى اجتماعيا، لخلق مفارقة، إلا أنها ظلت خارج النص والإحساس.

تعامل كريم الشناوى بإبداع وألق مع الشريط السينمائى، وعبر حاجز النوع، فهو انتقل بسلاسة من أعماله الاجتماعية الجادة فى تناولها، إلى حالة مغايرة، أراها أكثر صعوبة فى كشف إمكانيات المخرج لأن الخطأ فيها قاتل، تعامل فريق العمل بنسبة كبيرة بجدية مع الشخصيات.

الكوميديا لا تعترف أبدا بالحل الوسط، إما نجاح طاغ أو هزيمة نكراء.

(السادة الأفاضل) قال كل شىء، وبإبداع فنى مرر كل شىء، وكأنه لم يقل أى شىء، ويبقى تلك الرسالة السياسية العميقة، كيف بسبب سلوكنا وأفكارنا أحلنا (المومياء) إلى (خيال مآتة)، ضربنا تاريخنا فى مقتل!.

 

arabstoday

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق

GMT 09:52 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نحن وتاريخنا...

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ممرٌ ترابي في اتجاهين

GMT 09:47 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ــ آسيا... بين المواجهة والتفاوض

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

«حماس» تفاوض على استبعادها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السادة الأفاضل» قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء «السادة الأفاضل» قال كل شيء وكأنه لم يقل أي شيء



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 01:56 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع بمسؤولين سعوديين في الرياض

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 08:03 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يصعد بعد تراجع مخزونات الخام الأميركية اليوم الأربعاء

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 14:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تستعد لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:49 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يمتدح إيلون ماسك بعد خلاف طويل ويؤكد حبه الدائم له

GMT 07:03 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سريلانكا بين الجبال والبحار تجربة سياحية لا تُنسى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab