بقلم: طارق الشناوي
أهدى المخرج وليد الحلفاوى مسلسل (كتالوج) إلى والده الفنان القدير نبيل الحلفاوى الذى غادرنا العام الماضى، استلهم المخرج اسم شخصية رئيسية فى المسلسل وهو الجار جورج (القبطان)، وتلك الصفة ارتبطت بنبيل الحلفاوى بعد مشاركته فى بطولة الفيلم الوطنى (الطريق إلى إيلات)
وحتى عند إبلاغ الجمهور برحيله، تعمد الشقيقان المخرجان خالد ووليد أن يكتبا على صفحته رحيل (القبطان)، وهكذا شعرت أن وليد يستعيد من خلال (القبطان) نبيل الحلفاوى وأدى الدور بحالة من الإبداع الوجدانى الممثل العتويل بيومى فؤاد.
تابعت الحلقات حائرا بين نهرين من الضحك والدموع، لا يتركك المخرج فى الحلقات الثمانى زمن المسلسل إلا وأنت تتنقل بين الدمعة والابتسامة، حيث يتناول فقدان أقرب الناس إلينا وكيف نواصل الحياة بعدهم. أتصور أن وليد كان يعيش فقدان والده ووجدنا فى الشخصيات كلها هذا الخيط.
حتى إنه فى مشهد لمحمد محمود عبد العزيز كسر الخط الوهمى وقدم محمد مشاعره فى فقدانه لأبيه محمود عبد العزيز، لم يكن مجرد مشهد للعلاج النفسى القائم على البوح والفضفضة. المخرج لم يكتب السيناريو ولكن أجد بصمته فى توجه المسلسل، الكاتب أيمن وتار له رصيد معتبر من أعمال كوميدى (الفارس) القائمة على الحشو والمبالغة، المخرج سيطر على تدفق النص ليجمع دائما النقيضين الدمعة والضحكة، قبل أن تستغرق فى الحزن لا ينسى أن يوقظك بضحكة.
لمحات ذكية جدا فى تسكين الأدوار، محمد فراج يقدم دوره بقدر كبير من الإبداع فى التقاط التفاصيل، وريهام عبد الغفور وهى علميا لا ينطبق عليها توصيف ظهور خاص كما أشارت (التترات)، المسلسل تقاسمت بطولته مع فراج، حتى لو كانت المساحة غير متوازية نظريا فإنهما ظلا فى حالة توازٍ أدبى ودرامى، وهما معا لا يمكن انفصالهما سينهار بناء المسلسل. تقدمت الدراما التليفزيونية خطوات وهى تحطم الرقم المسبق ٣٠ و١٥. صارت الأحداث هى التى تحدد بالضبط عدد الحلقات.
الشجن النبيل يغلف الموقف، أحيانا أفلتت لمحات من المبالغات فى الحالة الدرامية على الورق من أجل تحقيق التناقض والانتقال بين الضحكة والدمعة، غاب الانسياب فى بعض المواقف، ووجدنا تعسفا ما لتحقيق تلك النتيجة، ولكن كنا نحن أيضا كجمهور متواطئين، ووافقنا على كثير من تلك الصفقات الدرامية لأننا مستمتعون باللعبة.
توقفت أيضا أمام الأبطال الذين أضافوا الكثير، خالد كمال وتارا عماد ودنيا سامى وأحمد عصام السيد الذى اكتفى المخرج فى التترات بكتابة اسمه الثنائى فقط.
الطفلان ريتال عبد العزيز وعلى البيلى، وشكلت سماح أنور حالة من البهجة للمشاهدين.
الشريط الدرامى يقدم شريحة اقتصادية تعيش فى برج عاجى متواجدة بيننا يمثلون شريحة الأقلية، إلا أن الرهان الاقتصادى لم يكن يعنى المخرج بقدر ما هو التوقف عند حالة شعور الفقدان التى عاشتها كل الشخصيات، كل منها يطل عليها بوجهة نظرة وهكذا مثلا شاهدنا الطفلة التى تبدأ أولى درجات المراهقة وهى تتعرف على بداية إحساسها بأنوثتها ونكتشف أن (كتالوج) أمها (أمينة) ريهام عبد الغفور كان حاضرا وشرحت لها ماذا تفعل بالضبط وذلك فى تسجيل سابق لها.
المخرج أمسك بكتالوج المشاعر والأفكار والتداعيات، كما سجلته ريهام، حتى إنها حرصت على أن تسجل أيضا لقاء أودعته مع جارهم (القبطان) يعرض بعد رحيلها، حتى تضمن أن تواصل الأسرة الحياة بدون ألم.
المسلسل حالة خاصة قادها وليد الحلفاوى الذى سبق أن قدم لنا فيلما قبل عامين مختلفا عن السياق المعتاد (وش فى وش) وهذه المرة فى الدراما أراه أيضا خارجا عن السياق التقليدى، مخرج يمتلك (كتالوج) خاصا فقط به!!