«حماس» قد تنتهي ثم ماذا

«حماس» قد تنتهي... ثم ماذا؟

«حماس» قد تنتهي... ثم ماذا؟

 العرب اليوم -

«حماس» قد تنتهي ثم ماذا

بقلم - نديم قطيش

ليس أخطر ما في حرب غزة تدمير أو عدم تدمير «حماس». هيمنة السؤال حول مصير الحركة بدهيٌّ، في ظل حرب هي طرف فيها، بل الطرف البادئ لجولتها الراهنة. لكنه ليس السؤال الأهم الذي ينبغي أن يستهلك الوقت والجهد المطلوبين للإجابة عن أسئلة أعقد تتعلق بمستقبل فلسطين وإسرائيل وعلاقات دول المنطقة بهما.

فهل تمتلك الحكومة الإسرائيلية أي فكرة سياسية لما بعد الحرب؟ لم تطل برأسها فكرة سياسية إسرائيلية واحدة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، حتى غدت الحرب كأنَّها مشروع قوة سافرة بلا أي أفق سياسي. بالنسبة لبنيامين نتنياهو، ما بعد حرب غزة هو ما قبلها تماماً. ما قبل الحرب، ثابر نتنياهو على إدامة الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني بين غزة ورام الله، مستثمراً فائض اللامسؤولية الوطنية عند السلطة و«حماس»، ليقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض. وبعد حرب غزة، يبدو أن نتنياهو ذاهب في الاتجاه نفسه، عبر محاولة مجنونة للإلغاء العملي للفلسطينيين هذه المرة، لا لهياكلهم السياسية وحسب.

في المقابل لم تطلّ برأسها فكرة سياسية فلسطينية واحدة تتجاوز دوغمائيات الخطاب الوطني الفلسطيني أكان ما يتعلق بحق العودة والقدس وغيرهما من جهة منظمة التحرير، أو ما يتعلق بـ«فلسطين من النهر إلى البحر» من جهة «حماس»، ومن دون أي أفق قيادي حقيقي لأي من المشروعين.

في غمرة هذا الفراغ يتمحور كل النقاش السياسي حول ما إذا كان بالإمكان إنهاء «حماس» أم سيكون بوسع الحركة إعلان انتصارها على أنقاض غزة.

يقال إن «حماس فكرة»، والأفكار عصية على الموت. أما تاريخ الأفكار فله رأي آخر. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أدت هزيمة قوى المحور إلى موت الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والنهج العسكري الإمبراطوري لليابان. كانت النتائج المروعة لهذه الآيديولوجيات، بما في ذلك المحرقة، قد أفقدتها مصداقيتها على نطاق عالمي.

بالتوازي، شهد المقلب الآخر للأفكار، موتاً متدرجاً لفكرة الاستعمار كشكل من أشكال العلاقات الدولية والحكم، بعد أن بلغ ذروة تمدده في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فقد اكتسبت، بعد الحرب العالمية الثانية، حركات إنهاء الاستعمار زخماً استثنائياً أعاد تشكيل العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية مستفيدة من الوهن الاقتصادي والسياسي، الذي أصاب القوى الأوروبية بالتحديد بعد حربين عالميتين، مما قلَّل من قدرتها على الحفاظ على إمبراطورياتها. وكان لتقدم أفكار نقيضة مثل فكرة «حق تقرير المصير» التي فرضها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون على الخطاب السياسي الأممي، دور في تصعيد الحركات القومية المطالبة بالاستقلال والحكم الذاتي، والتي وجدت في إنشاء الأمم المتحدة، منصة عملاقة لتعزيز المشاعر والحركات المناهضة للاستعمار. وفي حين أن الفكرة الشيوعية كآيديولوجية لم تنعدم من الوجود تماماً، إلا أن شكلها الكلاسيكي كنظام حكم سياسي واقتصادي انهار بالكامل بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي.

ويمكن التعريج على أفكار اجتماعية وسياسية واقتصادية وعلميّة أماتها الزمن أو تطور السياقات الحامية للفكرة أو الفشل الذاتي، كأنظمة العبودية، والفصل العنصري، والإقطاع والدول اللاهوتية أو الملكيات المطلقة.

تموت الأفكار إذن. ولو كانت «حماس» فكرة فإن نصيبها من الموت ليس فوق الحسابات. دعْكَ من أن «حماس» ليست مجرد فكرة، بل صيغة حكم سياسي في بعض فلسطين، له ما له بشأن الانخراط في قضايا النضال الوطني الفلسطيني، وعليه ما عليه بشأن ما آل إليه المشروع الوطني الفلسطيني برمته وتماسك قواعده الاجتماعية ومؤسساته السياسية، لا بل عليه ما عليه بشأن ما ستؤول إليه قاعدته هو نفسه في غزة، حين تضع الحرب أوزارها.

الذين يحاججون بصعوبة موت الأفكار في منطقتنا يشيرون بشكل خاص إلى عودة «طالبان» لحكم أفغانستان، بعد نحو عقدين من تدمير نظامها نتيجة الغزو الأميركي. بيد أن درس «طالبان» ينبغي أن يسلّط الضوء لا على قوة فكرة «طالبان بل على الفشل المريع في استيلاد بديل مقنع يبني على الهزيمة العسكرية التي أُلحقت بها.

فعلى الرغم من وجود القوات الدولية ووفرة المساعدات، فشلت الجهود المبذولة لبناء حكومة ديمقراطية مستقرة في أفغانستان في مواجهة تحديات الفساد، والتركيبة التحاصصية للنظام الاجتماعي الأفغاني، بالإضافة إلى استمرار عمليات التمرد من دون معالجة أسبابها الرئيسية والتعامل مع رعاتها المباشرين. وعليه فشل النظام السياسي الجديد في تعميق جذور شرعيته بين الأفغان، وظل متكلاً على الرعاية الأميركية المباشرة له، على نحو فاقم من الطلاق الثقافي والسياسي، بينه وبين الشعب. والحال؛ مهّد الافتقار إلى فكرة اجتماعية وسياسية قوية ومقبولة عالمياً، لاستمرار آيديولوجيا «طالبان» واستعادة سيطرتها على البلاد.

تقف هذه التجربة، إذن، على الجهة النقيضة، لألمانيا واليابان، حيث لم يكن القمع الناجح للآيديولوجيات المتطرفة مجرد نتيجة لهزيمة عسكرية، بل حصيلة استراتيجية إعادة بناء شاملة سياسية واقتصادية وثقافية، عُرفت بخطة مارشال، أدت إلى هندسة هويات وآيديولوجيات وطنية جديدة ومرنة.

مشكلتنا مع ما بعد غزة لا تكمن في مصير «حماس»، بل في مصير المعادلة السياسية في إسرائيل. مشكلتنا في المنطقة برمّتها، تكمن في غياب بديل موضوعي عن مشاريع الحروب، يمهد لسلام حقيقي ومستدام، ومشكلتنا بالأخص تكمن في غياب شريك إسرائيلي قادر على استيعاب أن الفلسطينيين لن يتبخروا.

arabstoday

GMT 02:19 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: الليدي «الساحرة»

GMT 22:11 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 02:10 2024 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

الطبقة الوسطى... هواجسها وسواكنها

GMT 00:53 2024 الأحد ,25 شباط / فبراير

العودة إلى الجذور

GMT 02:34 2024 الأحد ,11 شباط / فبراير

النيل في معرض الكتاب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حماس» قد تنتهي ثم ماذا «حماس» قد تنتهي ثم ماذا



الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 16:23 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

نقل زوجة عمران خان إلى السجن
 العرب اليوم - نقل زوجة عمران خان إلى السجن

GMT 01:27 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي على غزة وجنوب رفح

GMT 16:51 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

تثبيت سعر الفائدة في أستراليا

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

إطلاق نار على رجل أعمال كندي في مصر

GMT 03:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

شهيدان وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي جنوب رفح
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab