سوريا التي نرجو

سوريا التي نرجو

سوريا التي نرجو

 العرب اليوم -

سوريا التي نرجو

بقلم : د.محمد الرميحى

الأخبار الواردة من سوريا مقلقة. الإدارة الجديدة أنتجت في الأشهر الثمانية تقريباً حتى اليوم الكثير من الإيجابيات، أكبرها الإطاحة بالنظام السابق، وكانت معجزة. كان نظام الأسد التسلطي وأجهزته القمعية والدول المناصرة له صعبة المراس، ولم تكن هينة أو قليلة الأدوات، ولكن الثورة السورية انتصرت في نهاية المطاف.

منذ ذلك الوقت حدث الكثير من الإيجابيات، رفعت سوريا من معظم القوائم الدولية التي وضعت عقوبات مختلفة عليها، وقدم رأس المال الغربي للاستثمار، وكذلك العربي، ودخلت سوريا الجديدة في علاقات إيجابية مع الجوار بخاصة الجوار العربي والجوار التركي، والفضاء الدولي.

كان من الطبيعي جداً أن ترحب دول عربية وازنة بهذا التغيير رجاءً للأفضل لسوريا، كمثل موقف المملكة العربية السعودية المساند القوي، ودول الخليج، وعدد آخر من الدول العربية وتركيا لم تتأخر في الدعم والمساندة، وأيضاً تسهيل الطريق أمام سوريا الجديدة للدخول في الفضاء العالمي بإيجابية.

رغم ذكاء الإدارة القائمة في تحريك الدعم، إلا أن مشروع سوريا الجديدة لم يظهر بعد أو يتبلور، من أجل طمأنة المجتمع السوري على المستقبل. من الطبيعي، كما حدث، أن تظهر منغصات في الطريق، بخاصة من مجموعات حرمت طويلاً إبداء رأيها في الحكم، أو مجموعات حرمت امتيازاتها السابقة. فكلا الطرفين يريد أن يضع عقبات وشروطاً من أجل موقع أفضل له في الدولة السورية الجديدة، ذلك متوقع وأيضاً طبيعي.

ما يجب الحذر منه هو إبدال الحوار بالقمع. فالقبضة الأمنية لم تنفع النظام السوري السابق، حتى بعد طول سنوات من الصراع القاتل، ولم تنفع نظام القذافي على صلابته وقسوته، ولم تنفع أيضاً نظام بن علي في تونس. فعلى الأرض، يتعامل البشر مع القمع بأساليب مختلفة ومضادة، تنتج في نهاية الأمر إزاحة ذلك القمع.

لذلك، لا بدّ من استبدال القبضة الأمنية والقمع بالحوار، وفي الحوار شجاعة أكثر من القمع. القمع يمكن أن يطفئ بعض الشرور، لكنه غير مستدام النتائج، ويتحول تدريجاً إلى طريق للانتقام. والحوار يحتاج إلى شجاعة وحكمة، وهو أول متطلبات الحكم الرشيد، وأفضل طريق لتقليل أكلاف المرحلة الانتقالية الصعبة التي تمر بها سوريا. والحوار أكلافه أقل من القمع، وأكلافه على الدولة أقل.

أهم عناصر الحوار هو الاستماع إلى الآخر، والتعرف على مخاوفه (الحقيقية أو المتخيلة). العالم اليوم يتغير في ظل أدوات فاعلة جديدة في المجتمعات، ولم تعد الأيديولوجيا (أي الأفكار القطعية) صالحة للحكم في زماننا. ما يصلح هو التوافق الجمعي والمرحلي المرن، والقابل للتطور، وقد آن الأوان لتصحيح آليات العمل السياسي وتغييرها، وإضافة النجاح على النجاح.

تراكمت طموحات الشعب السوري خلال 14 عاماً منذ بدء الثورة ضد النظام السابق في 2011، وكانت طموح الإعلان الدستوري، أو ما يمكن تسميته الوثائق الدستورية الموقتة، محوراً لعديد من محاولات للمعارضات تهدف إلى وضع أسس قانونية، وبنيوية لقيام دولة جديدة بديلة من نظام الحكم القائم الأسدي.

جاءت هذه المحاولات من أطراف متعددة، أبرزها المعارضة السياسية السورية، والهيئات المدنية، والمجالس المحلية، وكذلك بعض القوى الدولية والإقليمية. برزت الحاجة إلى وضع تصور قانوني بديل من نظام الحكم السابق منذ 2012، وبدأت المعارضة السورية المختلفة بما تسمى إعلانات دستورية، أو مسودات أولية للدستور الجديد، منها الوثيقة الدستورية للهيئة العامة للثورة 2011-2012 التي أعدتها جهات معارضة في الداخل والخارج، والوثيقة الدستورية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في 2013، ووثيقة مؤتمر الرياض والمعارضة في 2015 و2016، ومبادرة المجتمع المدني والحقوقيين السوريين. أنتجت هذه المحاولات كلها تراكماً معرفياً متوافراً، وأبرزت أهمية وجود الدولة المدنية العادلة، ولا مجال (كما نصت الوثائق) لوجود الدولة الدينية أو العسكرية، وأكدت حقوق الإنسان، وضمان الحريات الفردية والعامة، والمواطنة المتساوية، ورفض الطائفية والتمييز العرقي، وأيضاً أكدت مركزية الإدارية السورية. وكما في كل الوثائق، كان استقلال القضاء ركيزة أساسية للعدالة، إذ لدينا أدبيات يمكن البناء عليها.

السرعة التي تم بها الإعلان الدستوري بعد وصول رجال الثورة إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر الماضي هي محاولة، لكنها محدودة وسريعة، وتحتاج إلى إعادة نظر، والقيام بتنظيم مؤتمر وطني يستمر عدداً من الأيام، يدخل كل المكونات السورية في نقاش واسع وموضوعي، لأولئك الذين يعتقدون أن سوريا الموحدة يجب أن تكون هي سوريا الجديدة، وأن سوريا ديموقراطية ومدنية، لا عسكرية ولا دينية.

قد تضع هذه القواعد النظام السوري على سكة النجاحات، إضافة إلى النجاحات التي حققها حتى الآن، بهذا الإعلان المرجو والمتوافق عليه، ويمكن بعد ذلك معالجة الشواذ والمزايدين بأريحية أكبر، وبدعم عربي وعالمي أوسع.

إن المراوحة في مكان واحد لن تجدي نفعاً، والاستماع إلى الصقور أيضاً يقلص من قاعدة النظام الجديد، هذا الجمهور الذي استقبل النظام الجديد بفرح، متمنياً أن تكون سوريا الجديدة أفضل.

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا التي نرجو سوريا التي نرجو



ثنائيات المشاهير يتألقون ودانييلا رحمة وناصيف زيتون يخطفان الأنظار في أول ظهور عقب الزواج

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 04:34 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

فى مواجهة «حسم»!

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها

GMT 14:14 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

عقلاء وحكماء في بطانة صانع القرار

GMT 15:54 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

صحة غزة تعلن توقف الخدمة في 6 مرافق طبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab