قنبلة الفساد

قنبلة الفساد

قنبلة الفساد

 العرب اليوم -

قنبلة الفساد

بقلم - سوسن الأبطح

لا أعرف من لبنان سوى الحروب والخوف، وانتظار المعركة الآتية، والهرب المتواصل من المجهول. فالسلم، وإن طال، يبقى هدنة بين حربين أو انفجارين. تشتري بيتاً فتفكر إن كانت فيه غرفة آمنة تختبئ فيها أو ملجأ، وكراج للسيارة، عند المحن. يتخرج أولادك فتنشغل إلى أي بلاد يمكنك أن تصدّرهم لتقيهم مأساة، تعرف أنها واقعة حتماً. في بلاد لا أمان فيها، ولا سكون، لم يعد يحق للمواطن فسحة، ولا في البراري، بعد أن وصل الفساد إلى العشبة والشجرة وتحول ماء النهر سمّاً. كانت الحروب بنيرانها مقتلة للناس ودماراً للحجر، ثم اتخذت وجوهاً أخرى، فمدّت أصابعها إلى الجيوب، واستلّت منها آخر فلس، وصلت إلى المستشفيات فحرمت المرضى من ترياقهم وآخر ملاجئهم. لم يرحم أحد اللبنانيين في سلمهم كما في حربهم. الفساد حرب من نوع آخر، يتبين أنها أكثر شراسة من الصواريخ. ثمة من يحذر الآن، من تنشق الهواء، بعد «الانفجار الكبير» ومن تلوث الأجواء. فأين نذهب؟ يقولون لك: «اترك البلاد!»، لكن، لمن؟ ولكم من الوقت؟ وهل من نهاية لهذا الأبوكاليبس؟ «خراب بيروت» الأخير، هو الحرب الأقذر، في سلسلة الحروب المتناسلة الكريهة. إنه الحرقة التي أشعلت قلوب كل عائلة، إن لم تفجع بولدها، فبملكها. لم يسبق لبيروت أن دمّر نصفها، وأن وصل الدمار إلى كل بيت فيها ودكان وزقاق. النكبة تفوق التصور، والخراب أسطوري، كما لو أن العاصمة خرجت من زلزال، والضحايا، يستغيث من بقي حياً منهم تحت الركام، فيما الأشلاء متناثرة، وأهالي المفقودين يجوبون المستشفيات بحثاً عن أولادهم.
إنه الجحيم، الذي كان يمكن تفاديه. جهنم التي لم تكن حتمية، ولا مكتوبة على الجبين. الكوارث الربّانية يتجرعها المبتلون بصبر المؤمنين الخاضعين. ما يحدث الآن هو من صنع مجرمين، ارتُكب بأيدي سفّاحين، ويجب أن يعاقبوا. لمرّة واحدة على المواطنين أن يتجردوا من كل انتماء إلا إنسانيتهم الحقة. على المسؤولين أن يصغوا، ويدركوا أن ما حصل لا يمكن أن يمر بعمليات تمويه وتجميل، ومماطلة، ووضع حفنة من المساكين وراء القضبان. العالم كله ينظر إلى لبنان الذي كان يتوقع أن ينهار ببطء، قد يمتد لأشهر، فإذا به يخرّ صريعاً بلمح البصر.
بعد مجزرة بيروت، نشر اللبنانيون صور المشانق على حساباتهم التويترية. لو كانوا يدركون، هؤلاء الجالسون في قصورهم، فإن المشاعر جياشة، والغضب عارم. لو يعلمون فقط، كم من الألم يعتلج في الصدور. هذا الشعب المهادن المسالم، يستحق حكّاماً من صنف آخر، مسؤولين من طينة أخرى.
أسوأ عنوان وقعت عليه عيني بعد «الخراب الكبير» هو «زلزال بيروت يحيي 8 و14 آذار». هل هذا ما يريده اللبنانيون؟ هل يعنيهم كثيراً هذا النزال، وقد بات مئات الآلاف بلا مأوى، وأكثر منهم بكثير بلا خبز. أي ابتلاء أن تكون السياسة في خدمة الشيطان؟ المثكولات يريدن معرفة من قتل أبناءهن، وأن يرونهم معاقبين مصفّدين، بصرف النظر عن أديانهم وولاءاتهم وأحزابهم. الثأرية ليس هذا وقتها، ولا تصفية الحسابات الدونكيشوتية. بعض المحاسيب لا يزالون يغررون بكم يا سادة القوم. إنهم لا يصدقونكم، لأن الغالبية الصامتة ليست معكم، لم تعد وراءكم، وهي تصمت بانتظار اللحظة المناسبة. أيام الإقطاع ولّت إلى غير رجعة. هل تعلمون أن مجموعة صغيرة من الشبان تمكنت بإعلان متواضع على «إنستغرام» من جمع 4 ملايين دولار من التبرعات في 3 أيام، فقط لأنها مأمونة من المرور بأي قناة سياسية؟ هل تعلمون أن من يريدون المساعدة لا شرط لهم سوى تحييدكم، وهم يعرفون أنكم حكمتم البلاد بالتكافل والتضامن، ولا فرق بين أي أحد منكم. هؤلاء لا يسألون عن أرقامكم من 8 و14، لأن المأساة تتجاوز أحقادكم الدفينة التي تخبئونها من القرن الماضي، وتريدون تفجيرها في وجوه الأبرياء.
أما آن لهذه الصراعات المميتة أن تجد لها حلاً على طاولة ما، في غرفة على قياسكم؟ هل كنتم تنتظرون الرئيس الفرنسي لتتبادلوا القبل؟ حقاً إنه لأمر مشين أن يصبح إيمانويل ماكرون أكثر شعبية من أي زعيم لبناني، وهو يتجول في الأحياء المنكوبة. وإنها لنكبة أخرى، ألا يتمكن أي وزير من زيارة حي بيروتي لأنه سيرشق ويطرد ويلعن، وليس أكيداً أنه سيبقى سالماً.
ما ينتظره المتألمون هو انقلاب في المشهد، هو كسر لهذه الحلقة الجهنمية في الحكم التي تتداول عليها الوجوه نفسها أو من يتقمصونهم. اللبنانيون مسالمون، مسالمون، حدّ الاستفزاز. المظاهرات التي تسلحت بالأغنية والرسم والجداريات والشعارات الطريفة والنكات اللاذعة، أعطت انطباعاً خاطئاً بأن الظلم يمكن أن يستمر، وأن من ترك 2700 طن من المواد القاتلة، التي تنسف مدينة عن بكرة أبيها، قرب أحياء مكتظة بالسكان، لـ7 سنوات، متهاوناً أو متآمراً، يمكن أن يفرّ من العقاب.
لصبر الناس حدود، فلا تمتحنوهم في أغلى ما يملكون. وقد فعلتم.

arabstoday

GMT 18:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 18:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 18:49 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 18:45 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 20:14 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قنبلة الفساد قنبلة الفساد



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab