بقلم - أمينة خيري
غير قادرة بعد على مغادرة المتحف. المسألة أكبر مما كنت أتصور. لا أتحدث عن الافتتاح أو الغناء أو الرقص أو الحضور، وجميعها كان جميلًا، ووجود انتقادات لا يعنى أبدًا الانتقاص من حجم العمل والإنجاز.
استيقظت صباح اليوم التالى على بضع رسائل على «واتس آب» من أصدقاء وصديقات غير مصريين يسألون عن الوقت الأفضل لزيارة مصر والإقامة فى محيط المتحف.
عامل الجذب الرائع الذى سيحققه المتحف وحده عظيم، ولكنى سأعود اليوم إلى المجتمع المصرى وما نستحقه، ويستحقه المتحف من اهتمام، وتوجيه دفة الاهتمام صوب البناء على هذا الصرح والحدث والإنجاز العظيم.
وبدلًا من السوشيال ميديا، مع الاحترام لها ولمستخدميها – وأنا منهم، حيث الدق على اللوحات من على بعد، والاطلاع على ما يجرى عبر عشرات أو مئات أو آلاف الأميال. المصريون بكافة فئاتهم وطبقاتهم وأعمارهم وقدراتهم يستحقون الاستمتاع والاستفادة بتجربة المتحف. نحن جميعاً فى أمس الحاجة لاستعادة الكثير مما فقدناه على مر سنوات طويلة من فقدان ثقة فى النفس بسبب طغيان ثقافى لا يمت لنا بصلة على مدار عقود. نحن فى حاجة ماسة إلى معرفة يقينية بأننا نستند على مرجعيات حضارية عظيمة، ونقف على أرض صلبة، حتى لو مررنا بفترات صعبة وأزمات اقتصادية وثقافية واجتماعية كبيرة.
وأعود إلى هذا المكون المسموم الذى للأسف طال كثيرين، ألا وهو خلط ثقافة دينية، أقول بحكم ما هو صادر عن الأزهر الشريف من تقدير واحترام للحضارة القديمة، إنها مشوهة ومريضة.
المتحف المصرى الكبير، والأجواء الرائعة التى تحيط بافتتاحه، والانكشافات الكثيرة التى تؤكد أن القاعدة العريضة من المصريين سعيدة وفخورة ومتشوقة لهذا الكيان العظيم فرصة ذهبية على كل الجهات والمؤسسات أن تقتنصها. والاقتناص يجب أن يكون مستمرًا ومستدامًا.
طلاب المدارس الدولية الذين يدرسون مناهج تاريخ لحضارات من شرق الكوكب وغربه ولا يسخرون منها، بل يهتمون بمعرفة تفاصيلها، لكن يتجرعون تاريخ بلدهم وكأنه حمل ثقيل يجب أن يعالج بدواء المتحف المصرى الكبير. وطلاب المدارس غير الدولية من شمال مصر إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها يجب أن يخوضوا تجربة المتحف بشكل أو بآخر. هذا المعلم الذى نشأ فى بيئة ثقافية، ولن أقول دينية، قائمة على أن «الحضارة المصرية القديمة عفنة» يجب أن يتطهر هو الآخر، وإلا ستترك عجلة السم مغلقة.
المهندس الذى يفتى ويعلم الملايين منذ عقود، وأطل عليهم قبل أيام محذراً من «اصنام» المتحف، وأن الزيارة يجب أن تكون بغرض التبرؤ لا الافتخار بكفرة أهلهم الله، ليس شخصاً، بل فكرة مريضة، والفكرة المريضة تٌرِكت ترتع فى مصر على مدار عقود، وما زالت. وعلاج الفكرة المريضة سيأتى من الثقافة والفن والتنوير، لا عبر المزيد من الفتاوى والكتاتيب واللعب بالنار.
أتمنى أن نستكمل البناء العظيم ببناء الوعى المصرى بالطرق والأدوات اللازمة، لا بمزيد من خلط مسموم.