بقلم - أمينة خيري
ليس خفيًا على أحد أن المنطقة العربية تمضى نحو قلب وقالب جديدين لم تعرفهما من قبل. عملية السابع من أكتوبر مجرد عامل محفز للمضى قدمًا نحو المنطقة فى ثوبها الجديد. لن أخوض كثيرًا فى دور هذه العملية فى تسريع إعادة رسم الخرائط، أو تحفيز إعادة توزيع توازنات العلاقات والقوى، ولكن أعيد طرح أسئلة بلا إجابات شافية بعد، وملحوظات يخشى كثيرون من الاقتراب منها، إما لأنهم لا يزالون يصرون على إنكار الحقائق التى باتت واضحة وضوح الشمس، أو لأنهم ما زالوا يتمسكون بحبال الأمل الذائبة المتآكلة المهلهلة تمامًا.
الفترة المقبلة سمتها تحالف وثيق بين دول وثقافات وأنظمة كانت تقف على طرف نقيض من الإسلام السياسى، أو هكذا قالوا لنا. هذا التحالف ليس مجرد قبول بأفرع وجماعات من الإسلام السياسى كانت مصنفة حتى الأمس القريب باعتبارها جهادية مسلحة تنتهج العنف، ولكنه تحالف يقدم كل أنواع الدعم والتأييد والمباركة والمساندة لها. هذا التحول ليس مفاجئًا، ولنا فى محاولات إجبارنا فى مصر على تجرع الإخوان المسلمين وأبناء عمومها من جماعات الإسلام السياسى بدرجاتها فى عام 2013 عبرة وتذكرة.
الطريف أن هناك من لا يرى جزئية أن هذه الدول حين تدفع بالإسلام السياسى، ومنه من كانت تصنفه حتى أسابيع قليلة مضت «إرهابى»، نحو الحكم فى بلادنا، لا تهدف إلى تطبيق شرع الله، وإقامة دولة الخلافة، وتقوية دعائم المسلمين ابتغاء مرضاة الله، ولكنها تدفع بخريطة جديدة ومعادلات جيوسياسية واقتصادية مغايرة تخدم مصالحها التى لا تمت بصلة من قريب أو بعيد بجرعة «الهراء» المكثفة التى تم حشو أدمغة الملايين فى منطقتنا بها. بمعنى آخر، هذه الشعارات والمبادئ والقيم والأهداف على شاكلة «الغرب الكافر» و«نحب الموت ونسعى للشهادة كما يحبون هم (الغرب) الحياة» و«يحاربون الإسلام ويكيدون للمسلمين المكائد لأنهم يخشون من وصولنا (جماعات الإسلام السياسى) للحكم وتأسيس دولة الخلافة» وغيرها يترجمها الغرب نفسه إلى واقع، ويقدم لها كل الدعم والحب والود والاعتراف والمساندة.
بمعنى ثالث، حين يصل الإسلام السياسى للحكم، ويتم تمكينه وتعضيده وتمهيد الطريق أمامه، وإزالة كل العقبات، وتقديم كل الدعم من قبل الغرب، من سيكون عدوه الذى يحاربه؟ أقول بكل تأكيد، العدو الجديد سيكون ذلك الرافض للإسلام السياسى، المصنف له باعتباره «بتاع ثلاث ورقات»، الواثق بأنه «مش بتاع جهاد لكن بتاع سلطة ومصالح».
المثير أن مراكز بحثية بدأت فى إعادة ترتيب أوراقها وبحوثها، وكذلك شمرت مؤسسات إعلامية عن سواعدها الإخبارية والتحليلية، فلم تعد تنفق الملايين على «خطر الإسلام السياسى على الديمقراطية الغربية» و«الفكر الجهادى وأثره على الثقافات الأوروبية» و«كيفية درء وحش الجماعات الإرهابية بعيدًا عن الحدود الغربية»، أو تنقل أخبار الجهاديين الإرهابيين هنا وهناك، بل تحلل وتناقش الجوانب الإيجابية فى «موافقة» أمريكا على انضمام الآلاف من «المجاهدين المتشددين» من المجاهدين الأجانب للجيش السورى، وما زالت الخريطة تتشكل.