بقلم : محمد أمين
لم تكن الحياة الأدبية تقف عند العقاد وطه حسين فقط، كانت هناك مواهب وعبقريات ومشاغبات أخرى. أذكر من هؤلاء زكى مبارك (٥ أغسطس ١٨٩٢ - ٢٣ يناير ١٩٥٢)، وهو أديب وشاعر وصحفى وأكاديمى عربى مصرى، حصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية، فلقبه البعض إثر ذلك بالدكاترة زكى مبارك. درّس فى الجامعة المصرية لعدة سنوات وعمل مفتشًا عامًا للغة العربية. عُرف بأنه «الملاكم الأدبى» ودخل فى معارك أدبية لا حدود لها.
تحدثت أمس عن أدباء من الصعيد والوجه البحرى، واليوم أتحدث عن أديب منوفى خاض معارك ضارية فى كل ميدان ولقب بـ«الملاكم الأدبى» من شراسته. ولد زكى مبارك فى قرية سنتريس بالمنوفية فى عام ١٨٩٢، التحق بالأزهر عام ١٩٠٨ وحصل على شهادة الأهلية منه عام ١٩١٦، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام ١٩٢١، الدكتوراه فى الآداب من الجامعة ذاتها عام ١٩٢٤، ثم دبلوم الدراسات العليا فى الآداب من مدرسة اللغات الشرقية فى باريس عام ١٩٣١، ثم الدكتوراه فى الآداب من جامعة السوربون عام ١٩٣٧.
تسبب طه حسين فى خروجه من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا راتب، بالرغم من حصوله على الدكتوراه ثلاث مرات وتأليفه أكثر من أربعين كتابًا. وقد أتيح له أن يعمل فى الجامعة المصرية، وعمل فى الجامعة الأمريكية وعُين مفتشًا للمدارس الأجنبية فى مصر، ولكنه لم يستقر فى هذه الوظيفة وأُخرج منها بعد أن جاء النقراشى وزيرًا للمعارف والدكتور السنهورى وكيلا للوزارة.
وعمل فى الصحافة أعوامًا طويلة. ويحدثنا أنه كتب لجريدة البلاغ، وغيرها من الصحف نحو ألف مقال فى موضوعات متنوعة. وانتدب فى عام ١٩٣٧م للعراق للعمل فى دار المعلمين العالية، وقد سعد فى العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه. وعلى الرغم مما لقى فى العراق من تكريم، إلا أنه ظل يحس بالظلم فى مصر، وهو يعبر عن ظلمه بأصدق تعبير بقوله: «إن راتبى فى وزارة المعارف ضئيل، وأنا أكمله بالمكافأة التى آخذها من البلاغ أجرًا على مقالات لا يكتب مثلها كاتب، ولو غمس يديه فى الحبر الأسود... إن بنى آدم خائنون. ألف خمسة وأربعين كتابًا منها اثنان بالفرنسية، ونشر ألف مقالة فى البلاغ، ومع ذلك تصير دكاترة ومع هذا تبقى مفتشًا بوزارة المعارف!».
فى ٢٢ يناير ١٩٥٢ سقط مغشيًا عليه فى شارع عماد الدين وأصيب فى رأسه، فنقل إلى المستشفى حيث بقى غائبًا عن الوعى حتى وافته المنية فى ٢٣ يناير، قبل الثورة بشهور، وكان من ضحايا طه حسين وأحمد أمين فى الجامعة والحياة الأدبية.