مأزق «بي بي سي» وترمب

مأزق «بي بي سي» وترمب

مأزق «بي بي سي» وترمب

 العرب اليوم -

مأزق «بي بي سي» وترمب

بقلم: عادل درويش

هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي تأسست 1922 أصبحت جزءاً من الهوية الوطنية وفي الحياة العامة تلعب دور المنارة الفكرية، وتشكل ملامح الجدل السياسي.

وأصبحت خدمتها العالمية مصدر ثقة خصوصاً في بلدان تفتقر إلى حرية الصحافة. وكثيرون حول العالم تشكل وعيهم السياسي الأول عبر موجات أثيرها، قبل أن تتاح لهم نافذة أوسع على العالم.

«بي بي سي» اليوم في أزمة بسبب البيروقراطية الثقيلة من جهة، وثقافة غرفة أخبار منغلقة على نفسها من جهة أخرى. استقالتا مديرة الأخبار ديبورا تورنيس، والمدير العام تيم ديفي، عادة ما تهزان أي مؤسسة كبرى، إلا أن «بي بي سي» بحجمها وتركيبتها وتعقيد بنيتها، تحاول التعامل مع الزلزال كأنه «هزة ارتدادية» في بنيان من طبقات متراكمة من اللجان والمجالس.

مجلس إدارة «بي بي سي» يتكون من الرئيس وثلاثة عشر عضواً. ثمانية من داخل الهيئة، وخمسة تعينهم الحكومة، بينهم روبي غيب (تعيين بوريس جونسون ومتهم بنفوذ سلبي تجاه الصحافيين)... البناء الهرمي لديه ميزانية ضخمة ستة مليارات جنيه، ودخل الرخصة الإجبارية لعام 2024 - 2025 يقارب أربعة مليارات جنيه. أي لا تواجه ضغوطاً تعانيها المؤسسات الإعلامية التي تعتمد على رضا جمهورها وثقته.

منابر اليسار الليبرالي تصور الأزمة كهجوم «تكتل يميني» يستهدف «بي بي سي». وهي سردية تتجاهل جوهر المشكلة؛ فالأزمة لم تخلقها «مؤامرة يمينية» وإنما نتيجة نمط طويل من التحيزات الثقافية المتراكمة، ومن عقلية جماعية ترى العالم بمنظار نخبوي، ليبرالي يساري لندني، يحجب الصوت المخالف.

الأزمة الأخيرة سببها عمل «مونتاج» متحيز لخطاب الرئيس دونالد ترمب في 6 يناير (كانون الثاني)2021 بانتقائية «لا تقربوا الصلاة...» في برنامج «بانوراما»، بدمج مقطعين فصلت بينهما خمسون دقيقة، ليبدو الرئيس السابق محرضاً مباشراً علي أعمال العنف.

وهناك سوابق، ففي 2007 حررت «بي بي سي» لقطات خارج السياق بدت وكأن الملكة إليزابيث الثانية وقتها غادرت جلسة التصوير احتجاجاً، وهو ما لم يحدث. «بي بي سي» اعتذرت وقتها، وواصلت العمل وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيها!

الأزمة الحالية كان يمكن احتواؤها قبل تحولها إلى عاصفة سياسية وإعلامية، فالمستشار التحريري ديفيد غروسمان نبه لجنة الإرشادات والمعايير في «بي بي سي» في يناير هذا العام، لأنه كمراسل في واشنطن في 2021 كان يعرف الخطاب الأصلي، ولو اتخذ إجراءً سريعاً وقتها لكان بالإمكان تجنب تهديد ترمب بدعوى قضائية (ومليار دولار تعويض) قد يمولها المواطنون دافعو الرخصة.

في الاجتماع اليومي مع «داوننغ ستريت»، أول من أمس، وإجابة عن سؤال ما إذا كان رئيس الوزراء كير ستارمر سيناشد الرئيس ترمب قبول اعتذار «بي بي سي» والتنازل عن المطالبة بالتعويض؟ قال السكرتير الصحافي إن «بي بي سي» لم تطلب مساعدة الحكومة. وكانت وزيرة الثقافة والإعلام ليزا ناندي قالت إن «بي بي سي» تحرص على استقلالها.

مأزق «بي بي سي» أن تدخلَ الحكومة قد يشكلُ سابقةً تكررُها يهدد استقلاليتها.

وكان تقرير داخلي مطول أعده مايكل بريسكوت، المستشار السابق للجنة الإرشاد، كشف أبعاداً أعمق للأزمة. التقرير الذي تجاهلته اللجنة لخمسة أشهر حتى كشفت عنه «ديلي تلغراف» أشار إلى انحيازات واضحة في تغطية إسرائيل وفلسطين وقضايا المناخ، والمتحولين جنسياً، والخلافات الإثنية والهجرة، وحتى في اختيار الضيوف. وأشار إلى أن الخدمة العربية تختلف في نبرة تغطيتها عن الخدمة الإنجليزية، وتعكس المزاج السائد في شبكات التواصل بالمنطقة، حيث يغلب عليه العداء لإسرائيل والارتياب من الغرب.

وكان المتفرجون يشكون من الانحياز في برامج حوارية حيث طغت أصوات ليبرالية يسارية ومن تيارات تتجاوز حضورها البرلماني الفعلي، كتكرار ظهور نائبة حزب الخضر الوحيدة وتجاهل أحزاب نوابها أكثر عدداً.

اللائحة الملكية لعمل «بي بي سي» ستجدد في 2027، وهو ما يواجهه الهيئة باختبار صعب. فهز ثقة الرأي العام سيقود إلى ضغوط سياسية قد ينجم عنها تغيير نموذج التمويل، أو جعل دفع الرخصة اختيارياً، أو إعادة هيكلة المؤسسة. سيناريو ليس في المصلحة البريطانية ولا العالم الذي لا يزال يحتاج إعلاماً رصيناً بحجم «بي بي سي».

الحفاظ على الهيئة واستقلاليتها يتطلب الاعتراف بالأخطاء ومعالجة التفكير الجماعي في صالات الأخبار، وإعادة التوازن المهني، والوعي بأن السمعة التاريخية لا تمنح الهيئة حصانة دائمة.

arabstoday

GMT 06:31 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سلسلة مؤهلات

GMT 06:16 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إعادة كتابة التاريخ... حتى تاريخنا

GMT 05:52 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف يُحيَى شارع الحمرا البيروتي؟

GMT 05:03 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا عن حيادية القضاء في الغرب؟

GMT 04:55 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض ــ واشنطن... شراكة استراتيجية متجددة

GMT 04:51 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سوريا: الشعب أم «المارون بين الكلمات العابرة»؟

GMT 04:49 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

«هستيريا الذهب» تجمع الشملَين

GMT 04:44 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الملك غازي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق «بي بي سي» وترمب مأزق «بي بي سي» وترمب



إطلالات هنا الزاهد بالأبيص أناقة هادئة تزداد حضوراً في الصباح والسهرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:52 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أضيفي لمسة القفازات لإطلالاتك على خطى النجمة درة
 العرب اليوم - أضيفي لمسة القفازات لإطلالاتك على خطى النجمة درة

GMT 08:12 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

البحر الأسود في تركيا جوهرة خضراء تنتظرك بعيداً عن الزحام
 العرب اليوم - البحر الأسود في تركيا جوهرة خضراء تنتظرك بعيداً عن الزحام

GMT 23:32 2025 السبت ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بي بي سي تواجه معركة قانونية شرسة مع أقوى رجل في العالم
 العرب اليوم - بي بي سي تواجه معركة قانونية شرسة مع أقوى رجل في العالم

GMT 07:00 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد اختيار وتنسيق النباتات الاصطناعية داخل المنزل
 العرب اليوم - قواعد اختيار وتنسيق النباتات الاصطناعية داخل المنزل

GMT 10:45 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

عراقجي يؤكد أن الخيار الدبلوماسي قائم والتخصيب مستمر
 العرب اليوم - عراقجي يؤكد أن الخيار الدبلوماسي قائم والتخصيب مستمر

GMT 07:44 2025 السبت ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

7 قتلى و27 مصابا في انفجار بمركز شرطة بالهند

GMT 15:38 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلى يتكلم بالألقاب

GMT 19:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى

GMT 10:25 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

9 أعراض لنقص المغنيسيوم في الجسم أبرزها الصداع والأرق

GMT 15:11 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب الحذاء الأحمر و..«البيلاتس»

GMT 14:59 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

معنى وسام يسرا

GMT 22:45 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا تصنف 4 جماعات في أوروبا كمنظمات إرهابية أجنبية

GMT 15:09 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

إهدار وقلة قيمة

GMT 15:43 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

كازاخستان وإسرائيل.. ما الجديد؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab