التلاعب بسيكولوجية الجماهير

التلاعب بسيكولوجية الجماهير

التلاعب بسيكولوجية الجماهير

 العرب اليوم -

التلاعب بسيكولوجية الجماهير

بقلم: عادل درويش

الأسبوع الماضي عرضنا نموذجاً من طغيان اللاقانونية على الفكر الجمعي بإقناع الرأي العام بأوهام قد تقبلها سيكولوجية الجماهير رغم مناقضتها الواقع. اليوم نقدم مثالاً آخر للتفكير الجمعي الذي يعوق الإصلاحات لحل مشكلات جذرية. ورغم أن النموذج من بريطانيا فإن أمثاله أكثر عمقاً وتأثيراً في بلدان القراء، خصوصاً عندما تخضع الخدمات الأساسية لاحتكار القطاع العام ومؤسسات الدولة. أطباء خدمة الصحة القومية العامة في بريطانيا (باستثناء أسكوتلندا) في إضرابهم الخامس من صباح الجمعة، لأربعة أيام، يطالبون بعلاوة تصل 35 % من أجورهم، بأثر رجعي لتعويضهم عن الفارق بين أجورهم وغلاء المعيشة (معدلات التضخم) لعدة سنوات، ورافضين عرض وزارة الصحة بثمانية في المائة علاوة.

الإضرابات الأربعة السابقة أضاعت ستة عشر يوماً من عمل المستشفيات بتكلفة فاقت بليون جنيه (مليار و29 مليون دولار) ثمن الاستعانة، خصوصاً أقسام الطوارئ، بأطباء من وكالات في القطاع الخاص. يبلغ عدد الأطباء المسمين بصغار الأطباء، أكثر من خمسين ألف طبيب. التسمية لا تعكس السن أو الخبرة، بل أنهم ليسوا مستشارين اختصاصيين أو رؤساء أقسام – خصوصاً أن معظم المستشفيات تتبع كليات الطب. المجموعة تشمل نصف عدد الأطباء العاملين في الخدمة، وربع الأطباء المعروفين بالممارس العام أو طبيب العائلة. الاختصاصيون الاستشاريون أنفسهم، في قطاع الصحة العامة، ويبلغ عددهم 46 ألفاً، أضربوا، للمرة الأولى في تاريخهم، يومين الشهر الماضي، وأعلنوا أنهم سيُضربون يومين قرب نهاية هذا الشهر، رافضين علاوة ستة في المائة، لأن معدلات التضخم أدت إلى انخفاض دخلهم الفعلي بأربعة أضعاف العلاوة المقترحة في عشر سنوات. في الشهر الماضي أيضاً أضرب الراديوغرافيون (اختصاصيو الأشعة والتصوير الصوتي والمغناطيسي) وهم أكثر من 22 ألفاً.

قبلها شهد القطاع عدة إضرابات للممرضات (يتجاوز عددهم ثلاثمائة ألف). الإضرابات، أدت إلى تعطيل علاج المرضى، فوصلت قائمة منتظري العمليات الجراحية، وعلاج الحالات المزمنة إلى أكثر من سبعة ملايين؛ وهو ما أدى إلى تناقص تأييد الرأي العام للأطباء والمضربين إلى النصف فقط (من الثلثين في مطلع العام) رغم أن خدمة الصحة القومية تعد بمثابة بقرة مقدسة لدى البريطانيين. خبر تسرب عن عضو قيادي في نقابة الأطباء القومية في بريطانيا - التي قبلت علاوة 12.5 في المائة فقط لأطباء أسكوتلندا – برفض أي عرض مماثل من حكومة المحافظين الاتحادية في ويستمنستر؛ ما جعل الإضراب يبدو سياسياً آيديولوجياً وليس لمطالب مهنية. فالفكرة المسيطرة على الرأي العام هي أن المحافظين يريدون «خصخصة» خدمات الصحة القومية، وهي الفكرة نفسها المسيطرة على مجتمعات بلدان يسيطر القطاع العام على اقتصادها، ما أدى إلى عرقلة البيروقراطية الاستثمارات الوافدة التي ستخلق وظائف وتدخل نقداً إلى البلاد.

وهي سياسة ليست ساذجة فحسب، بل تضر بالاقتصاد الوطني، رغم أنها مغلفة بآيديولوجية إيغاليتيرية أو تلوح بشعارات كاستقلال الاقتصاد الوطني عن سيطرة رأس المال الأجنبي، رغم أن اقتصادات وأسواق اليوم متداخلة ومرتبطة، ولا تعرف حدوداً أو شعارات كالسيادة الوطنية. المفارقة أن الشبكات وصحافة صناعة الرأي العام (أغلبيتها تحت سيطرة اليسار الليبرالي) تدعم هذه الفكرة الخاطئة، خصوصاً بتجاهلها ذكر الحقائق والمعلومات الأساسية، وهي أن خدمة الصحة القومية في جوهرها متداخلة مع القطاع الخاص بعقود مالية لتوفير احتياجاتها منذ إنشائها قبل 75 عاماً. فالدواء مصدره القطاع الخاص من شركات إنتاج العقاقير الطبية البريطانية والعالمية أو من الصيدليات (11 ألفاً وخمسمائة صيدلية)، تدفع الخدمة مباشرة لهم لصرف روشتات أصدرتها، ستة آلاف و700 عيادة ممارس عام (طبيب العائلة) يعمل بها 78 ألفاً و600 طبيب منهم 36 ألفاً و468 يعملون بشكل مباشر في خدمة الصحة العامة، والباقي قطاع خاص يعمل بتعاقد؛ أما أطباء الأسنان فهم نحو 42 ألفاً، و23 ألفاً وخمسمائة منهم يقبلون معالجة مرضى خدمة الصحة العامة. وبالطبع هناك خدمات مشابهة مثل العلاج الطبيعي، والطب النفسي وغيرها، الأغلبية الساحقة قطاع خاص، يحيل أطباء خدمة الصحة العامة المرضى إليهم.

أما الأجهزة الطبية المعقدة، وأجهزة المعامل والفحص، ومعدات الصيانة، وسيارات الإسعاف، وأسرَّة المستشفيات وأدوات الجراحة وتعقيمها، وأجهزة الكمبيوتر، وحتى أثاث العيادات فكلها من القطاع الخاص. ففعلياً لا تمتلك الدولة (أو القطاع العام) من مؤسسة الخدمة الصحية سوى المباني والعاملين الموظفين مباشرة، والباقي للقطاع الخاص. والسؤال المنطقي: لو أوصلت الصحافة هذه المعلومات بأمانة للرأي العام ألن يعيد ذلك النظر في الادعاء بأن المحافظين يريدون خصخصة الخدمات الصحية؟ وهو سؤال يصلح لبقية البلدان، بخصوص التسهيلات الضرائبية والحوافز.

arabstoday

GMT 02:46 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

نيران صديقة فى مهرجان (كان)!!

GMT 02:43 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

بين احتجاجين

GMT 02:37 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

فى رحاب السيدة!

GMT 02:33 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

عبيد باليونيفورم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التلاعب بسيكولوجية الجماهير التلاعب بسيكولوجية الجماهير



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
 العرب اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 23:32 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

تداعيات انتهاء حرب غزة على لبنان

GMT 00:35 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

تسمم بمادة كحولية يودي بحياة 4 أشخاص في تونس

GMT 10:10 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

عدسات لاصقة "ذكية" لكشف أمراض العيون

GMT 06:44 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

موجة حر في المكسيك تحصد العديد من الأرواح

GMT 03:05 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

حريق داخل القصر الجمهوري في الخرطوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab