بقلم: دكتور زاهي حواس
منذ عدة أعوام نشرت الصحف العالمية خبر اكتشاف مومياء الملكة نفرتيتى نقلا عن تصريح باحثة إنجليزية تهوى الشهرة ولا علاقة لها بالعلم، ولذلك كان من الطبيعى أن أعارض نشر أخبار اكتشافات زائفة. وقمت وقتها بمناقشة كل ما قيل إنها أدلة استندت عليها الباحثة الإنجليزية. وخلال المناظرات التى تمت بينى وبينها لم يكن لدى أى قراءات علمية عن المومياء التى قيل إنها للملكة نفرتيتى، وكانت الباحثة الإنجليزية قد فحصت هذه المومياء بأشعة الـ X-Ray وكانت نتائج الفحص من النقاط التى لم أستطع الرد عليها أو تفنيدها. أما عن المومياء التى أعلن أنها مومياء الملكة نفرتيتى «زوجة الملك إخناتون، فقد كشفها عالم المصريات الفرنسى فيكتور لوريه ضمن خبيئة للمومياوات داخل المقبرة رقم ٣٥ بوادى الملوك والتى تخص الملك أمنحتب الثانى»، وذلك فى ١٨٩٨. وبعد مرور سنوات على كشف خبيئة المومياوات فى مقبرة أمنحتب الثانى، قام هيوارد كارتر الذى كشف مقبرة توت عنخ آمون «بنقل تسع مومياوات معروفة أسماؤها مثل الملك تحتمس الرابع والملك أمنحتب الثالث» والملك «مرنبتاح» ابن الملك الشهير «رمسيس الثانى» إلى القاهرة. وقصة خبيئة المومياوات ترجع إلى الأسرة ٢١ عندما حاول كهنة أمون إنقاذ مومياوات الفراعنة من السرقة، خاصة بعد انتشار سرقات المقابر، لذلك قام الكهنة بنقل المومياوات من مقابرها الأصلية إلى مقابر مجاورة ثم إلى خبايا أشهرها على الإطلاق خبيئة الدير البحرى التى تم الكشف عنها عام ١٨٨١.
وقد ترك كارتر داخل مقبرة «أمنحتب الثانى ثلاث مومياوات، المومياء الأولى أطلق عليها اسم (السيدة العجوز) والتى أكدنا بعد ذلك من خلال مشروع دراسة المومياوات الملكية الذى أقوده منذ سنوات أن مومياء السيدة العجوز هى الملكة الشهيرة «تى» زوجة الملك أمنحتب الثالث المعروف بـ «باشا فراعنة مصر القديمة»، ووالد الملك «إخناتون» ويجاور هذه مومياء الملكة تى مومياء أخرى لصبى أعتقد أنه ابن الملك أمنحتب الثالث الذى مات شاباً تاركاً العرش لأخيه إخناتون. أما المومياء الثالثة وهى حديث هذا المقال فقد اعتقد الفرنسى لوريه فى البداية أنها مومياء خاصة لصبى وبرأس صلعاء ومفقود الذراع اليمنى، وهناك جزء مهشم أسفل الوجه. وهذه المومياء التى تسمى (مومياء السيدة الصغيرة) هى التى أعلن عنها فى كل مكان أنها خاصة بالملكة «نفرتيتى» التى عاشت مع زوجها فترات الكفاح ضد كهنة «آمون»، وانتقلت معه إلى تل العمارنة وأنجبت منه ست بنات واحدة منهن تزوجت الملك الذهبى الشهير «توت عنخ آمون».. وعندما وصلت الملكة تى «حماة الملكة نفرتيتى» إلى تل العمارنة، وجدنا أن «نفرتيتى» اعتزلت الحياة تماماً وعاشت بعيدة عن «إخناتون» فى قصرها مع بناتها، ولم يعثر العلماء على مقبرة الملكة الجميلة أو على المومياء، لكن شهرتها جاءت بين الناس من خلال تمثالها النصفى الجميل الموجود بمتحف برلين، حيث لا تزال تدور بيننا وبين المتحف معارك بشأن عودة رأس الملكة الجميلة إلى بلدها مصر. وقد استطعنا أن ننشئ ولأول مرة مشروع برئاستى يطلق عليه اسم المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية وغير الملكية، وهذا المشروع يهدف إلى عمل قاعدة بيانات وتسجل لكل المومياوات الموجودة داخل المقابر والمخازن، وكذلك دراسة المومياوات الملكية بعد أن استطعنا الحصول على أحدث جهاز للأشعة المقطعية CT-Scan، وكذلك بناء المعمل الوحيد الخاص بدراسة الـ DNA أو الحمض النووى فى بدروم المتحف المصرى قبل أن ينقل إلى متحف الحضارة فى الفسطاط. ولا يوجد فى أى مكان فى العالم معمل DNA متخصص فقط لدراسة المومياوات. فى البداية استخدمنا جهاز الأشعة المقطعية لمعرفة أسرار مومياء (السيدة الصغيرة) المثيرة للجدل، والتى نشر أنها مومياء نفرتيتى! بينما أكدت دراساتنا أنها لا علاقة لها بالملكة نفرتيتى. وكان من الأدلة التى قدمها أصحاب الرأى بأن تلك المومياء للملكة «نفرتيتى» هو وضع الذراع اليمنى، وفى الحقيقة عندما عثر على المومياء كانت ذراعها اليمنى مفقودة فى الوقت الذى عثر فيه على ذراعين منفصلتين بالقرب منها. الأولى كانت مستقيمة والأخرى منحنية. وقد اعتقد العلماء أن الذراع المستقيمة هى الخاصة بالمومياء، إلا أن أحد العلماء استخدم مقاييس المومياء خلال عملية دراستها، بالإضافة إلى تحاليل أشعة X وخرج بنتيجة أن عظام كل من الذراع المستقيمة وبقية المومياء مختلفة من حيث الكثافة مما جعله يرى أن الذراع المنحنية هى المنتمية للمومياء، وفى تلك الحالة فإن تلك المرأة ستكون ذات ذراع يسرى مستقيمة بطول الجسد وأخرى يمنى منحنية على الصدر. وكان وضع الذراعين بتلك الطريقة، أى إحداهما مستقيمة والأخرى منحنية، هو تقليد خاص بالملكات. لكن لا يعنى ذلك أنها الملكة نفرتيتى، فهناك الكثير من ملكات مصر القديمة التى لم يستدل بعد على مومياواتهن. وفى المقال القادم سنقدم المزيد من المعلومات عن هوية مومياء السيدة الصغيرة التى قيل إنها مومياء الملكة نفرتيتى.