وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا!

وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا!

 العرب اليوم -

وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

بقلم : تركي الدخيل

وَمِنْ شُعَرَاءِ الإسْلَامِيِّينَ، وَهُمُ الذِينَ ظَهَرُوا بَعْدَ الإسْلَامِ، وَفِي العَهْدِ الأُمَوِيّ، شَاعِرٌ يُقَالُ لهُ: قَعْنَبُ بنُ ضَمْرَة، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بنِ غَطَفَانَ، وَيُقَالُ لَهُ أيْضًا: قَعْنَبُ ابن أُمِّ صَاحِبٍ، وأمُّ صَاحِب هيَ أمُّ الشَّاعِر، وَلِذَلكَ ذَكرَهُ مُحَمَّدُ بنُ حَبِيبٍ، فِي كِتَابِهِ «مَنْ نُسِبَ إلى أُمِّهِ من الشعراء».

قالَ ابنُ جِنّي، في «تفسير أسماءِ شعراءِ ديوان الحماسة»: «القَعْنَب هو الشديدُ الصلبُ من كل شيء». وقَعْنَب، شَاعرٌ أُمَوِيٌّ، عاشَ أيامَ الخَليفةِ الوليدِ بنِ عبدِ المَلكِ، وَلهُ أبياتٌ يَهجُوهُ بِهَا. وَمِنْ أشْهرِ شِعرِ قَعنب، أبْياتُه التِي يَشكُو بهَا فِعلَ عَدُوّهِ معَ مَا يَأتِيهِ عَنِ الشَّاعِرِ مِنْ مَدْحٍ وَقَدْحٍ، وَمِنْ ذَلكَ قَولُهُ:

إِنْ يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

وَرُوِيَ البَيتُ بِكَلِمَةِ «رِيبة»، كَمَا يَلِي:

إِنْ يَسْمَعُوا رِيْبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

الرِّيبَةُ: الشَّكُّ، وَالظِّنَّةُ وَالتُّهْمَةُ. وَالْجَمْعُ: رِيَبٌ. وَالرَّيْبُ: مَا رَابَكَ مِنْ أَمْرٍ. وَرَابَنِي فُلَانٌ يُرِيبُنِي: إِذَا رَأَيْتَ مِنْهُ مَا يُرِيبُكَ وَتَكْرَهُهُ.

السُبَّة: ما يُسَبُّ به من العُيوبِ. فِي «اللّسَان»: السَّبُّ: الشَّتْمُ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا: شَتَمَهُ. وَالمَعنَى أنَّ خُصُومَ الشَّاعرِ، إذا سَمِعُوا عَنهُ ريبةً عَنهُ، طَارُوا بهَا فَرحًا.

وَ«طارُوا بهَا فرحًا»: ذلكَ لأنَّ السَّعادةَ التي تغمرُ صاحبَها فرحًا، تغشاهُ فتملأ جوانحَهُ، وتنتشرُ في أجزاءِ جسدِهِ كلِّه، حتَّى يَحْسَبُ أَنَّهُ علَى وَشكِ أنْ يَطيرَ، من شِدَّة الفَرحِ. ويُحتمل أن يكونَ المرادُ: أنَّ عدوَّ الشَّاعرِ طَيَّرَ السُّبةَ أَوِ الرّيبَة، بنشرِهَا، وَتَرويجِهَا، وإِشَاعتِهَا بينَ النَّاسِ، وَجَعلِهَا علَى كلِّ لِسَانٍ. يُقَال عنْ فَشْوِ الخَبَرِ وانْتشَارِهِ انتشَارَ النَّارِ فِي الهَشِيم: طَارَ الخبرُ، أيْ ذَاعَ وَعَمَّ وبَلَغَ القَاصِي وَالدَّانِي.

والطيرانُ دلالة على السُّرعةِ عندَ العَربِ، حَتَّى قبل اختراعِ الإنسانِ الطَّيرانَ.

ثم ينتقلُ الشَّاعرُ، ليبيّنَ كيفَ يتعاملُ عَدوُّهُ، مَعَ مَا يَسمعُه عنهُ منَ الخيرِ، وَهوَ ما عبَّر عنه بالصَّالحِ، حيثُ يبادرُ خصمُه لدفنِ الخَبرِ الصَّالحِ عنهُ.

إنَّ عدوَّ الشَّاعر، لا يكتفِي بعدمِ التَّرويجِ للصَّالحِ عنه، بل يذهبُ في الشَّر كلَّ مذهبٍ، إذ يدفنُ كلَّ ما يَسمعُ عنهُ منْ خبرٍ صَالحٍ، حَتَّى لا يبقَى احتمالُ أن يقفَ على هذَا الخبرِ أحدٌ بمجهودِه، لا بنشرِ الخبر وإشاعتِه!

لَقد أحسنَ الشاعر، قعنبُ بنُ ضمرة، في تصويرِ حالِ عدوّه، في التَّعاطِي مع ما يسمعُ من أخبارِ الخير وأخبارِ الشَرِّ عنه، في مجافاةٍ كاملةٍ للإنصاف، ومناقضةٍ تامةِ للعَدل.

مَرَّ عليُّ بن أبي طَالب، رضيَ الله عنه، بفتيانٍ من قريشٍ يتذَاكرُونَ المُرُوءة، فسألَهم: ماذَا تَذاكرُونَ؟ قَالُوا: المُروءةُ. فقالَ عليٌّ، رضيَ اللهُ عنه: المروءةُ الإنصافُ والتَفضُّلُ.

وكانَ عبدُ الملك بن مروانَ، يُحارِبُ مُصعبَ بن الزبير بن العوَّام، فقيلَ لِعبدِ الملكِ: إِنَّ مُصْعَبًا قَد شَرِبَ الشَّرَاب. فَقالَ عبدُ المَلكِ: مُصعبٌ يَشربُ الشَّرَابَ! واللهِ لَوْ عَلِمَ مُصعَبٌ أَنَّ الرّيَّ مِنَ المَاءِ ينقصُ مُروءَتَهُ ما رَوِيَ مِنهَ! فَلمَ تَمنعْ عبدَ الملكِ، حَربُهُ مع مُصعبٍ من إنْصافِه.

وإذَا كانَ قعنب أسهبَ في بيانِ حالِ عدوّهِ معَ الصَّالحِ من خبرِهِ وضده، فماذَا يدفعُ غالبُ النَّاسِ اليَوم، أنْ يفعلُوا فعلَ الأعْداء، معَ غيرِ عدوّهمْ، عندمَا يَنشرونَ، عن غيرِهم، سيئَ الأخبارِ، وَيعرضُونَ عَنْ حَسَنِهَا؟!

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:13 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 08:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فايزر تعلن وفاة مريض وُضع تحت اختبار دواءهيمبافزي

GMT 09:40 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

وفاة لاعب كرة قدم وسط مباراة رسمية بسبب تميمة سحرية

GMT 08:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة إسرائيلية تستهدف وسط بلدة حولا جنوبي لبنان

GMT 19:52 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أحمد عبد الوهاب الابن الأصغر لموسيقار الأجيال

GMT 09:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

شهيدان بغارة إسرائيلية على حافلة في الهرمل شرقي لبنان

GMT 19:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قادة الأسد السابقون يحاولون استعادة نفوذهم في الساحل السوري

GMT 13:39 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

خبيرة أممية تحذر من ظروف احتجاز زوجة عمران خان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab