صباح الخير أيها الدينار

صباح الخير أيها الدينار

صباح الخير أيها الدينار

 العرب اليوم -

صباح الخير أيها الدينار

بقلم - إنعام كجه جي

ينزل أهلُ الحي إلى المقهى الواقع في أول الشارع، يحجزون كراسيهم أمامَ الشاشة الكبيرة لمشاهدة مباريات المونديال. لم يكن المكانُ مزدحماً كما هو الآن. تتأمَّل السحناتِ فتجد الأسمرَ والأبيضَ والأسود، بل والأصفر.
نحن هنا في الدائرة الثالثةَ عشرةَ من باريس، على مشارف الحي الصيني. وصاحب المقهى قد نشر أعلامَ الدول المتسابقة على أسلاك فوق الرؤوس. وهناك، على الجدار عملاتٌ ورقيةٌ متعددةُ الألوان والكتابات. يأتي زبائنُ من كل العالم ويتركون تذكاراً هنا. شواقل وروابل وشلنات وريالات. المال الحلال يجمعُ وغيره يفرّق.
بحثت عن ديناري على الجدار. كان صاحبُ المقهى قد طلبه منّي لما عرف أنّي عراقية. فتَّشت له عن دينار بين أوراقي القديمة ولم أجد. انهارت عملتُنا وانسحب الدينار من التداول.
كانت هناك خمس وريقات من فئة 250 ديناراً، عدت بها من سفرة لي إلى بغداد. وها هي ورقة منها على الجدار في الزاوية اليمنى. أفرح بمرآها ويحرجني فرحي. عزيزُ قومٍ ذُلّ.
أخذت سيارة من المطار إلى دار أمي. سألت السائق: كم تأمر؟. أجاب: 400.
كانت الكروة، أي الأجرة، على أيامي 400 فلس. لكن الحصار زعزع الثوابت. أعطيته أربعَ ورقات من فئة 100 دينار. نظر في وجهي مشفقاً وقال: أختي 4 آلاف.
رأيت الناس يحملون الدنانير بالأكياس. مثل البصل. عملة لا تساوي الورقَ الذي طُبعت عليه. إذا تبلّلت بعَرَق الكف انمحت صورتها. وأنا لم أعش في زمن حمورابي لكن دينارَنا كان في السبعينات يشتري 20 فرنكاً فرنسياً. وفي 2015 أعلن البنك المركزي العراقي عن إصدار عملة جديدة من فئة خمسين ألف دينار لمواجهة التضخم. لا تسأل عن الفلس الأحمر. وحتى الدراهم صارت «أنتيكا» ترتديها النساءُ قلائدَ وأقراطاً. وكان الطفلُ إذا امتلك درهماً في جيبه يخرج ليشتري الدكان.
ماذا جرَى لك أيتها العزيزة؟ أبحث عن سيرتها في المعجم فأقع على المغنية «دنانير»، جارية يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد.
ودنانير العباسيين من الذهب. توضع حفنة منها في صرّة وتلقى إلى المتملقين من الشعراء. وقد وردَ ذكرُها كثيراً في الشعر العربي. واشتكى المتنبي من أن الدينار لا يمكث في جيبه طويلاً. «وكلما لقيَ الدينارُ صاحبَه... في ملكه افترقا من قبل يصطحبَا». أضمرَ الشاعرُ الفذ «أنْ» ليستقيم الوزن.
والتاريخ يعيد نفسه. متملّقون وعطايا. يدور الزمن وتتحوّل عظام المغنية «دنانير» إلى مكاحل. تظهر راقصة تدعى «ملايين». فالأسماء تتبع الأحوال. استخدم العراق الليرةَ العثمانية طوال أربعة قرون وسمّى كثيرون بناتهم «ليرة».
ثم جاءَ الاحتلال البريطاني واستبدلَ بها العملة الهندية. آنة وروبيّة معدنية تحمل صورة الملك جورج الخامس. وفي الثلاثينات، بعد انتهاء الانتداب، صدر الدينار العراقي ليأخذ مكانَ الروبيّة. يعادل 13 روبيّة ونصفاً.
ربطوا الدينار بالجنيه الإسترليني. حملت المسكوكات صورة الملك فيصل الأول، ومن بعده حمل الدينار الورقي صورةَ ابنِه غازي، ثم فيصل الثاني طفلاً وبالغاً. تتقلّب العهود وتتغير الصور. ثم ربطوه، أواخر الخمسينات، بالدولار الأميركي.
كان دينارُنا القوي في السبعينات يساوي أكثرَ من 3 دولارات. يُطبع في سويسرا ويدخل محفظات الموظفين مُهفهفاً أنيقاً ذا رائحة. فلما حلّت لعنة الحروب والعقوبات الدولية صار يُطبع في الداخل. سعرُه صاعدٌ نازلٌ والكل يتكلَّم بالدولار.
تقهقر دينارُنا وكاد ينقرض. وها هي عينة منه ما زالت معلقةً على جدار هذا المقهى. واليوم لا يكتفي الفاسدون بملايين الدولارات، بل ينهبون المليارات.
ثروات لا ترفع شأناً. تتغيَّر العملات، والشتيمة العراقية واحدة: «فلان ما يسوى فلس».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صباح الخير أيها الدينار صباح الخير أيها الدينار



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026
 العرب اليوم - ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab